"المؤامرة" على سعد الحريري وملايين صديقته

المدن - ميديا

الثلاثاء 2019/10/01
لا شيء يستحقّ الصدمة في فضيحة الـ16 مليون دولار المحوّلة من حساب الرئيس سعد الحريري الى عارضة الأزياء الجنوب افريقية، الا حجم المبلغ. عدا ذلك، محاولات لذر الرماد في عيون محبيه الذين يرفضون التصديق بأن هناك عاقلاً يدفع لامرأة مغمورة 16 مليون دولار. وما دون ذلك، ينطوي على أوهام سياسية تتحدث عن المؤامرة.

أي مؤامرة حول الكشف – الفضيحة؟
سؤال يوجب طرحه، في ظل الهراء المنتشر، من بعض وسائل الاعلام، إلى منصات التواصل الاجتماعي. فلا الحكومة اللبنانية قابلة للسقوط أو الاستبدال، ولا بديل متوفراً عن الحريري الآن. ولا الإدارة الاميركية توجه رسائل غير مباشرة، لأنها قادرة على ارسال رسائل مباشرة، في الشرق الاوسط تحديداً، ولن تلقى من معارضي تلك الرسائل - المطالب إلا دعوات لنقاش حول آليات تنفيذية، أو استمهالاً قصيراً في التنفيذ، أو إيجاد مخارج صغيرة لا تؤثر في الاستراتيجية – الطلب. 


والادارة الاميركية، أيضاً، لا توجه رسائل الى العالم العربي مرتبطة بفضائح جنسية، لعلمها بأن رسالة مشابهة هي عبثية، وعاجزة عن تغيير اي شيء، ولن تحقق الا "تشويه السمعة" الذي سيغسله عار الانتخابات المقبلة، والأصوات المؤيدة للزعيم في صناديق الاقتراع. وهي تعلم أن أي فضيحة جنسية في العالم العربي، مرتبطة بمسؤول "ذكر"، لن تهشم صورته في المدى البعيد، خلافاً لفضائح مرتبطة بالنساء. بل على العكس، سيتعاطى هؤلاء معه على أنه "فحل"، وقادر على جذب أجمل النساء وأكثرهن تأثيراً.. وعوضاً عن إثارة تعليقات الإدانة، ستثير تعليقاً من قبيل "يقبرني البطل"! 

والحال أن مريدي المؤامرة في هذا المكان، أو مَن يتمنونها في أقل تقدير، يتناسون أو لا يعرفون شيئاً عن وسائل إعلام من مصاف "نيويورك تايمز" (إذا كانت مسطرتهم وسائل إعلام المحاور التي يعرفونها). ومَن لم يكن منهم جاهلاً، فهو يحاول الاستفادة من الفضيحة لخدمة ملفّه مع أميركا: العقوبات، حزب الله، إيران... أميركا تضغط على الحريري، وانظروا بأي طريقة! ولم لا؟ بل ولماذا لا يستفيد الحريري نفسه، هذه المرة، من المخرج الذي تؤمنه له الممانعة - الصديقة اللدودة؟

والحال أن "نيويورك تايمز"، ليست فقط بالمستوى والتأثير الذي يجعلها أهم من السلطة، بل تشوبها علاقات متوترة مع الإدارة الاميركية الحالية، وليست مقرّبة منها لكي تتواطأ معها في أي "مؤامرة". فأي رسالة، وممن، ستُرسل إلى الحريري؟

لا شيء منها. لكن كشف "نيويورك تايمز" الأخير، هو الأول الذي يطاول شخصية عربية في موقع السلطة. لم يسبق الحريري على الفضح اي مسؤول عربي قبله. وربما لن يكون هناك بعده. وهنا مصدر التشكيك، في النظر الى ان خبراً يستأهل أن يكون فضيحة جنسية في الغرب، هو ليس كذلك في العالم العربي، ويضم الحريري، للمرة الأولى، الى نادي الفضائح الجنسية التي عُرفت في التاريخ الحديث، وبينها فضيحة الرئيس الاميركي بيل كلينتون، ورئيس الحكومة الايطالي سيلڤيو برلسكوني، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وحتى ترامب نفسه الذي يُفترض أنه الضاغط الآن على الحريري..

أين المؤامرة إذن؟
كل التقديرات تنطوي على أوهام، باستثناء واقعة واحدة تستحق التشكيك. لماذا 16 مليون دولار لامرأة مغمورة؟ وهو سؤال، لا يملك اي أحد إجابة عنه الا الحريري نفسه. وحده يدرك لماذا؟ وكيف؟ وحده يمتلك الحقيقة التي لن تظهر. وسينتهي الجدل حولها بعد فترة قصيرة. كيف لا، وقد انتهى الجدل حول فضائح جنسية أكثر خطورة تنطوي على اتهامات بالاتجار بالبشر مثل برلسكوني.

وعليه، فإن الشعب مضطر للتصديق هذه المرة. في العام 2018، ظهرت قضية الـ16 مليون، وسُمّي الحريري بالاسم، في مقالات ومواد إخبارية ضمن وسائل اعلام صغيرة، قد لا تتمتع بشعبية أو مصداقية عالية. كانت هنا، في الانترنت، بين الأيادي، ولم ينتبه إليها أحد في خضم الضخ اليومي من الأخبار. لكن ظهورها في "نيويورك تايمز" ظهّرها في ضوء عالمي، وثبّت الواقعة التي لم يعلق عليها الحريري، ولم تعلق الفتاة أيضاً، رغم أن أقوالها التي أوردتها "نيويورك تايمز" مأخوذة من ملف قضائي مثبت في بلادها.

لكنه كشف غير مؤثر. لن يهشّم صورة رئيس الوزراء الذي يعدّ ضرورة لبنانية في هذا الوقت. لن يطيح الحكومة في ظل البحث عن استقرار اضافي، نقدي وأمني واقتصادي. ولن يتخطى تأثيره تشويه سمعة الحريري، ليس بسبب معاشرة امرأة بمبلغ مالي كبير، بل لأنه حرم موظفي مؤسساته منها، ودفعها لامرأة مغمورة لقاء نزوة، إذا صحت التقديرات.

الحريري رجل، وزعيم طائفة. لذلك، وفق تقديرات ناشطي "فايسبوك"، هو أكبر من تداعيات فضيحة. وأعلى من الشبهات. لن "يغبّر على صبّاطه" حديث عن "فحولة". وهي كلمات كافية لكفّ ألسنة المتوهّمين، لكنه لا يكفي لإزالة المرارة من قلوب موظفيه الغارقين في الديون، والعاطلين عن العمل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024