"هارون الرشيد".. انفاق الملايين عبثاً

أحمد ندا

الثلاثاء 2018/06/12
 
لا تبدو الدراما التاريخية قادرة على قراءة التاريخ العربي الإسلامي، إلا في بعض الشخصيات المقررة والتي باتت مكررة درامياً، كأن إعادة تدويرها صار من الواجبات الرمضانية، على طريقة تكرار الأذكار الدينية. وشمل تكرار الاسماء شخصيات مثل صلاح الدين الايوبي، والحجاج والظاهر بيبرس.. وهارون الرشيد. 

هذه الشخصيات الأربع باتت من علامات الدراما التاريخية التي تجد مناسبتها للعرض في رمضان. وإزاء ظهور محاولة في التمرد عليها، كان التمرد على مسافة قريبة منها. فحينما لم يكن هناك عمل يتناول الحجاج، كان المهلب بن أبي صُفرة أي من خلفه في حكم العراق.. وحينما لم يكن "الظاهر بيبرس"، كان المظفر قطز، وحينما لم يكن الرشيد، كان أبناؤه الأمين والمأمون. وحينما يغيب ذلك كله، تتناول الدراما سنين بعثة النبي الأولى وما حولها، بكل تنويعاتها الممكنة.

ولا تتوقف المشكلة في هذا النوع الدرامي على جدب الأفكار على الرغم من زخم هذا التاريخ، بل تنسحب على طريقة معالجة إعادة التدوير، فكأنما هي نسخ باهتة مكررة من بعضها البعض. هي حكيٌ كرونولوجي خطي لا تصرف فيه، رغم الحفاظ على تجنب كل المحظورات التي تقررها المؤسسات، فتكون النتيجة وعظية وقليلة الديناميكية درامياً.

ويختصر مسلسل "هارون الرشيد" في نسخته الأخيرة هذا العام، كل الإخفاقات الماضية. فما هو الجديد دراميا في علاقة هارون الرشيد بأخيه موسى الهادي؟ أو في الأزمة العائلية/السياسية بين إبنيه عبد الله المأمون وأمه الجارية ومحمد الأمين وأمه العربية العباسية؟ أليست في كثير من محاور المسلسل وبنائه تقاطعات مع مسلسل "أبناء الرشيد" الذي أنتج سنة 2006؟

الاختلافات لا تبدو جوهرية في السياق التاريخي، ولا درامياً. فكل شيء قد سُكّن في حياة الرشيد كما هو معلوم تماماً، كذلك نكبة البرامكة بقيت كما هي دون أي تغييرات تذكر. البطولة المطلقة تذهب لهارون الرشيد، ويأتي أبناؤه بعده.

لكن الفارق الأكبر في المسلسلين هو حجم الإنفاق والتقدم التكنولوجي الذي يأتي للعمل الأحدث بالطبع، وكاريزما قصي خولي وتمكنه من الدور وجهده في أنسنته بعيداً عن التخشب في رسم الشخصيات التاريخية كما اعتدنا.

غير أن الجنوح الى أعمال تاريخية مكررة، يعود بشكل اساسي الى نجاح الدراما التركية التاريخية، التي فتحت شهية العرب على هذا الإتجاه، من غير قراءة الفوارق الجغرافية والتاريخية والبيئة العربية عن التركية، وأفق المعرفة المنتظر، والصناعة الدرامية. 

ثمة نجاح عربي كبير حققه مسلسل "قيامة أرطغرل" بعد عرضه، لعدة أسباب أهمها وأولها هو طزاجة الشخصية على العين العربية من ناحية، والبذخ في الإنتاج والاشتغال على البناء والدراما، ما جعل البعض يعتبره "غيم أوف ثرونز"(لعبة العروش) التركي. وبعيداً عن حمولته السياسية وعرضه في زمن الحساسيات العربية - العربية من ناحية، والعربية - التركية من ناحية أخرى، فالمسلسل جيد على المستوى الفني ما جعله يصل إلى المشاهد العربي بغض النظر عن موقعه السياسي وانحيازه.

وقبل أعوام، حقق مسلسل "عمر" نجاحاً لافتاً حين تم عرضه، لنفس أسباب نجاح مسلسل "قيامة أرطغرل". المحصلة النهائية أن لا عيب في الدراما التاريخية، لكن العوار في فكرة التاريخ الذي يعيد نفسه أكثر من اللازم.

ربما كان على صناع "هارون الرشيد" (عبد الباري أبو الخير مخرجاً وعثمان جحا كاتباً) التفكير في معالجة تتخطى المغامرة في عرض ما استُهلك، حتى لم يعد مثيراً للاهتمام في الدراما التاريخية التي تخص حياة "هارون الرشيد"، وإلا فإن 14 قرناً من التاريخ الإسلامي، وقبلها خمسة قرون من التاريخ العربي تزخم بشخصيات وأحداث ووقائع تستطيع أن تكون جذابة درامياً أكثر من الشخصيات المكررة، حتى لم يعد في سيرتها ما يثير الاهتمام. وعليه، بات الانفاق الخيالي على "هارون الرشيد" هو العبث بحد ذاته.

لا جديد سوى أداء الممثلين والتقنيات، ولا قيمة تُضاف الى ما عُرض في السابق. عرضه اليوم هو هدر للملايين التي أنفقت على الانتاج، بالنظر الى ان الانفاق الانتاجي لم يتطلع الى ما تحمله صفحات المكتبة العربية من سير شخصيات مؤثرة، حتى لو كانت إشكالية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024