"المرأة تنكة بيبسي".. الإعلام والجامعة يتنصّلان من المسؤولية!

يارا نحلة

الثلاثاء 2018/11/20
قبل أيام، سُئل طلاب الجامعة اللبنانية الأميركية، في ريبورتاج مصور، إذا كانوا يقبلون الزواج من امرأة غير عذراء. الإجابات التي أتت مفعمة بالذكورية، أثبتت أن التعليم الذي يتلقاه هؤلاء بعشرات آلاف الدولارات لا يقيهم من الأفكار الرجعية والمهينة بحق المرأة. فشبّه أحدهم المرأة بـ"تنكة البيبسي المفتوحة"، وقارنها آخر بالبضاعة المستعملة. هي أقوال نسمعها يومياً في "الشارع" اللبناني، إلا أن وقعها يأتي مختلفاً حين تخرج من أفواه شباب متعلّم في نخب الجامعات اللبنانية.  

بعد الضجة التي أثارها الفيديو، الذي لم يعد له أي أثر في صفحة thedaily.question، وهو موجود حكماً في صفحات أخرى، ويتناقله الناس عبر "واتسآب"، إستضاف جو معلوف في حلقة هذا الأسبوع من برنامج "#هوا الحرية" عدداً من طلاب الجامعة، من بينهم أبو هاشم الموسوي، صاحب منصة "السؤال اليومي" في "إنستغرام"، وهي الصفحة التي أعدّت الفيديو ونشرته. بالإضافة إلى الطالب هادي صاحب المقولة الشهيرة "معقول إشرب تنكة بيبسي مفتوحة؟"، وطالب ثالث ذو خطاب أكثر إعتدالاً. في مواجهة الرجال الثلاثة، جلست طالبتان لتقولا البديهيات: "المرأة ليست سلعة". "شرفها لا يقع بين رجليها"، وانه من حقها ممارسة الجنس قبل الزواج مساوةً بالرجل، شريكها الذي يحق له أن يقيم ما يشاء من العلاقات الجنسية دون أن يمسّ شرفه.



أما إدارة الجامعة، فقد إلتمست ضرورة تبييض صورتها مما ورد على لسان بعض طلابها، خصوصاً بعد التفاعل والإمتعاض الذي ناله الفيديو، علماً ان الجامعة لا تتحمل مسؤولية ما ورد في الفيديوهات، كونها تنقل وجهات نظر مختلفة. هذه المهمة كانت من نصيب عميد شؤون الطلاب رائد محسن، الذي ظهر في الحلقة لينأى بنفسه وبالجامعة عن عقليات بعض طلابه الذكورية والرجعية.

أعفى محسن، الجامعة، من اللوم، بدلاً من الإقرار بأن ما أظهرته آراء هؤلاء الطلاب هو بمثابة إنذار للجامعات بضرورة تعزيز جهودها في التصدي لهذا الخطاب المنحدر في المستوى. ولم يستغلّ معلوف وجود محسن ليسائله عن دور الجامعة في صناعة الوعي الاجتماعي لطلابها، وعن قصورها في تأدية هذه المهمة. 

كذلك، لم يدخل "الراشدان" (جو معلوف والدكتور محسن) في صلب الإشكالية التي طرحها الفيديو، والتي لا تزال تعدّ تابو إجتماعياً. فهما لم يفسحا المجال أمام نقاش جدي بشأن جنسانية المرأة وحرياتها. كما أنهما لم يفتحا حواراً حول ما تمثّله المرأة في مجتمعنا، ولم يتطرقا إلى المنظومات الاجتماعية والدينية والعائلية التي تغذي هذه العقلية الذكورية وتعززها. 

إكتفى معلوف ومحسن، في المقابل، بتوجيه أصابع الإتهام إلى شخصٍ أوحد، هو واحد من عشرات الطلاب الذين أعربوا عن آراءٍ ذكورية، وبينهم نساء أيضاً، إلا أن خطأه الفادح كان إستخدام "لغة شارعية وسوقية"، بحسب تعبير محسن. 

بتركيزها على سوقية حديث هادي، وإعطائه المساحة الأكبر للكلام، تغاضت الحلقة عن مضمون خطابه، وهو خطاب يتشاركه مع آلاف الطلاب اللبنانيين. وعوضاً عن التعمّق في قناعات هذه الفئة من الشباب وتحليلها بشكل نقدي، غيّرت الحلقة مسار النقاش عن موضوعه الأساسي. فحوّلت الطالب هادي إلى كبش محرقة، وكأنه حالة فردية لا تعكس مجتمعاً بأسره. وهنأت إدارة الجامعة على صونها لحرية التعبير والتفاعل على المنصات الاجتماعية. 

كما هنأ معلوف ومحسن سوياً الطالب أبو هاشم الذي كان وراء هذا الفيديو، وذلك بالرغم من إفتقاده لأي قيمة أو رؤية إجتماعية أو حتى معرفية، سوى نقل الآراء لاظهار التفاوت في التفكير بين الطلاب، وبين الشباب اللبناني. فقد طرح الطالب على زملائه سؤالاً في قمة الحساسية من دون هدف واضح بإستثناء إثارة البلبلة والإستفزاز. فهذا الإستفتاء لم يكن لأغراضٍ إحصائية علمية، كما أنه لم يرمِ إلى تحليل الإجابات ووضعها في سياقٍ توعوي. 

بمشاركة هذا النوع من المواد الإعلامية الجدلية، يساهم رواد السوشيال ميديا في تسخيف وتمييع قضية إجتماعية مرتبطة بوجود المرأة وموقعها في المجتمع. فهم يستخدمون هذه القضايا كطعمٍ للتفاعلات الفايسبوكية، الغاضبة منها والمؤيدة. الأمر نفسه ينطبق على جو معلوف، الذي يفتح نقاشاً من هذا النوع في حلقةٍ بما لا تتجاوز الـ15 دقيقة، وذلك لإستيفائه معايير "السكوب" أو الجدل الإعلامي الذي يجذب المشاهدين. يفرغ هؤلاء أي حديث عن تحرّر المرأة من مضمونه الفكري ويضعونه في إطار فضائحي، مساهمين بالتالي في تعزيز الهيمنة الأبوية وإعادة إنتاج أدواتها وميكانيزماتها.

ظلّ الطلاب يرددون، في الحلقة وفي الفيديو، إسطوانة "انا هيك تربيت"، و"هيدي عاداتنا وتقاليدنا". بالطبع ليس هذا الخطاب حكراً على طلاب LAU، وقد رأيناه أخيراً في AUB حيث شنّت مجموعة من الطلاب هجوماً على مجتمع المثليين من خلال مقالاتٍ مستفزة نشرت في جريدة الجامعة.

يحتمي هؤلاء الطلاب خلف سلطة العادات والتقاليد، أي سلطة آبائهم، من أجل التصدي لأي تقدّم أو تغيير في الأوضاع الاجتماعية، والمحافظة على الواقع الراهن. وليس ذلك سوى دليل على ضعف المؤسسات الأكاديمية أمام المؤسسة العائلية، وعلى فشلها في تزويد الطلاب بالتحليل النقدي الذي من شأنه أن يدفعهم إلى إعادة النظر بكل مسلماتهم الاجتماعية والثقافية.    
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024