دليل المعارضة في لبنان: الفقراء آخر الثوار

نذير رضا

الثلاثاء 2021/09/07
لا تكفي مشاهد الغاضبين من التأزم السياسي والمعيشي في الشارع، لوسم الثورة اللبنانية بطبقة الفقراء. ولا يمكن اختزال المعارضة بالفقراء الذين يظهرون في التقارير الاعلامية.. فالمعارضون اللبنانيون ليسوا من هذه الطبقة حصراً، ولا خرجوا ضد السلطة نتيجة الجوع والمرض والعوز.. ولو انهم جزء من حالة المعارضة للنظام.

شاعت تلك التقديرات في اعقاب ثورة 17 تشرين. آلاف الشباب الذين يمثلون الطبقة الوسطى الى جانب آلاف الطلاب الجامعيين، شاركوا في الاعتصامات. وبعد اخمادها، اتجهت كاميرات التلفزة الى احياء الفقراء، بيوتهم، لتبرير الثورة بوجه النظام، وهو ما اختزل جزءاً كبيراً من الحراك واعطاه طابع "الحاجة"، من غير النظر في الدعوات للتغيير السياسي.

بالنسبة للسلطة، هؤلاء يمكن احتواؤهم. البطاقة التمويلية طريق الى محاصرة الغضب، والمساعدة الاجتماعية والدعم المالي، يمثلان أيضاً طريقاً الى إلغاء مسببات المعارضة.

تتحمل وسائل الاعلام جزءاً من مسؤولية هذا الاختزال، لاعتبارها، أولاً، أن تظهير الجوع وحده سيسقط أقنعة السلطة، ومبررات وجودها. وهي وجهة نظر قاصرة، ذلك أن التغيير السياسي لا يمكن ان يُبنى على فرضية الجوع فحسب، ولا يمكن أن يُقاد بمادة اعلامية جذابة يُستخدم فيها الفقراء مادة للتغيير. هي جزء من الدليل، حكماً، لكنهم آخر الثوار.

فمعارضو النظام، هم الطبقة المتوسطة. يدرك هؤلاء جمهورهم ومن يخاطبون. ليس تفصيلاً أن تخاطب منصات الثورة جمهورها في "انستغرام". المنصة التي يرتادها، بالاغلب، ابناء الطبقة الوسطى والأغنياء. يُكثر هؤلاء من استخدام "انستغرام"، خلافاً لـ"فايسبوك" الذي بات موسوماً بصبغة الفقراء والبسطاء ومتوسطي العمر وأبناء الطبقة الشعبية. تلك الفئات التي ترتاد "فايسبوك"، تنظر اليها السلطة على أنها قابلة للإحتواء، ولا تطمح الى أكثر من مطالبة النظام بإخفاء عيوبه عنها، وتوفير البدائل والمواد المدعومة. 

على النقيض، لا تسكن الوعود ولا الدعم اليسير للسلع الأساسية، معارضي "انستغرام". هؤلاء، الذين يحتفظون بهامش من الحرية، وهامش آخر من الرفاهية، من أكثر المتضررين من النظام وسوء إدارته للأزمات. خسرت النخب التي ترتاد الموقع الكثير من امتيازاتها، وهي أكثر الأطراف الباحثة عن الهجرة، والتواقة للرحيل.

يدرك المعارضون أيّ الفئات الواجب مخاطبتها لحشد الجهود ضد السيستم ورموزه، بلا انتقائية، وفق شعار "كلن يعني كلن". يتوجهون الى جمهور واسع في "انستغرام"، ويطالبونه بالمشاركة في التغيير. منذ 17 تشرين، تنتشر عشرات الصفحات الناطقة باسم المعارضة الجديدة. هي معارضة من خارج السيستم، ولا تواجهه بخلفية حزبية أو ايديولوجية، ولا بخلفية معيشية يمكن تسكينها. وفي المقابل، يتابع آلاف اللبنانيين، من مستخدمي التطبيق، تلك الصفحات، ويتفاعلون مع المنشورات. 

View this post on Instagram

A post shared by thawramap (@thawramap)


في صفحة "خريطة الثورة"، مقاطع فيديو تظهر حياة السياسيين الفارهة. من أعراسهم الى سفراتهم الـ"لوكس"، ونمط الحياة المخمليّ الذي يعيشه المسؤولون. بذلك، ترفع منسوب الغضب ضد رموز النظام، في مقابل القلة التي يعيشها رواد هذا التطبيق، الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب، منذ بدء تدهور سعر صرف الليرة في العام 2019، وصولاً الى كل الأزمات التي تراكمت خلال العامين الماضيين. 

View this post on Instagram

A post shared by thawramap (@thawramap)


وثورة الطبقات غير الفقيرة، بهدف تحقيق تغيير سياسي، ليست التجربة الأولى في المنطقة. لم تعد الثورات حكراً على الفقراء والجوعى، حتى لو كرست وسائل الاعلام هذا التصور من خلال تقاريرها واضاءاتها. فالمعارضة الايرانية، اعتمدت الخطاب نفسه، وتوجهت الى ابناء الطبقات المتوسطة والأثرياء عبر "انستغرام"، التطبيق الذي تستخدمه هذه الشريحة، بهدف تحقيق تغيير سياسي، رغم ادراكها بأن الثورة تحتاج الى حشد، وليس فقط الى شعار. 

لكن التغيير ضمن السبل الديموقراطية، يحتاج الى نفَس طويل، وهو ما تقوم بهد الصفحات الثورية اللبنانية في "انستغرام". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024