عنصرية اسرائيلية وتقاعس عربي: 500 صحافي فلسطيني بلا عمل

أدهم مناصرة

الخميس 2018/11/08
لا يُنكر أحد أن لفلسطينيي 48، مُجبرين لا مُخيرين، واقعاً وخصوصية مختلفين ومُغايرين في كل شيء مقارنة بسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى مَن هُم في الشتات. فتُلقي بظلالها على مختلف مناحي حياتهم، ولعلّ سلك الإعلام والصحافة في إسرائيل ليس استثناءً مِن هذا الحال.

صورة الواقع الصعب الذي يواجهه خرّيج الصحافة والإعلام من فلسطينيي الخط الأخضر قد جسّده، بشكل لافت، وجود نحو 500 منهم عاطلون عن العمل، حتى أنهم لم يُجربوا العمل أصلاً في هذا المجال، نظراً لعدم توفر فرص عمل فيه. وفيما تُقنن السلطات الإسرائيلية منح ترددات إذاعية وفضائية للعرب؛ لأسباب أمنية واقتصادية وإجتماعية، تمتنع وسائل الاعلام الاسرائيلية عن توظيف أولئك لاسباب عنصرية، رغم أن معظمهم من خريجي كليات الصحافة في الجامعات العبرية التي انطلقت في منتصف الثمانينيات.

الصحافي سعيد حسنين، مِن فلسطينيي 48، قال لـ"المدن"، إن هناك أزمة حقيقية لدى خريجي الصحافة والاعلام في الوسط العربي داخل الدولة العبرية، مردّها الى أن المؤسسات الإعلامية الأكبر هي بيد السلطة الإسرائيلية، فتتبنى نهجاً عُنصرياً وانتقائياً عندما يكون المتقدم للعمل لديها فلسطيني فتعمل على فحص ماضيه بعناية وكذلك الحال بالنسبة لانتمائه ووعيه الجمعي بقضيته وهويته الوطنية.

وكان حسنين، قد عمل في التلفزيون الإسرائيلي حتى خرج منه قبل سبعة عشر عاماً، وذلك نتيجة تصادمه مع إدارة قسم الأخبار في التلفزيون؛ إذ أنه تمرّد على النص الإخباري أكثر من مرة، خاصة عندما أذاع خبراً عن هجوم صاروخي لـ"حزب الله" قبل نحو شهر من الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني الذي تحقق في عام 2000، إذ رفض تسمية "المخربين"، وأسماهم "مُسلّحين". وكذلك الحال عندما استخدم المصطلح ذاته عندما تحدث عن عملية إطلاق نار نفذها فلسطينيون في منطقة رام الله إبان الإنتفاضة الثانية، الأمر الذي أغضب منه إدارة القناة وتمت مساءلته حينها. فأجابها "مَن يحتل الاخر أنتم أم اللبنانيون؟!.. ومَن يحتل الضفة انتم أم الفلسطينيون؟!".

ويبدو أن حالة سعيد حسنين، جعلت المؤسسة الإعلامية الإسرائيلية حذرة جداً في توظيف الفلسطينيين في أروقتها، خصوصاً وأن المجتمع الإسرائيلي بات الآن أكثر يمينياً وتحكمه حكومة متطرفة وقومية، لدرجة سن قوانين عنصرية عديدة في الآونة الأخيرة تُعطي الأفضلية لليهود.

وبالغوص أكثر في دوافع ومسببات أزمة البطالة في صفوف الفلسطينيين الدارسين للصحافة في أراضي 48، فإن هناك عوامل ذاتية كما هناك أخرى موضوعية وظرفية.

ولو بدأنا بالعوامل الموضوعية، فإن الكاتب الصحافي نظير مجلي، من سكان الخط الأخضر، يؤكد أن الإعلام الإسرائيلي لا يتحمس كثيراً لفتح الباب أمام الفلسطينيين للعمل فيه رغم أنهم درسوا وتعلموا الصحافة باللغة العبرية؛ لنجد في أحسن الأحوال مراسلاً عربياً واحداً، في أحسن الأحوال، يكتب لكل صحيفة إسرائيلية.

بالنسبة للإعلام المرئي والمسموع، فقد رصدت "المدن" وجود مراسل فلسطيني وحيد في القناة العبرية "الثانية" فضلاً عن وجود مذيعة عربية واحدة تظهر على شاشتها. ونجد مراسلاً عربياً واحداً في القناة "العاشرة" فيما تخلو من اي مذيع عربي، واما القناة العبرية الرسمية "مكان" فليس فيها عرب، رغم ان النسخة العربية من القناة الرسمية، فمعظم العاملين فيها عرب.

وثمة دوافع لعدم تشغيل عرب في الصحافة الإسرائيلية، على رأسها إهمال الموضوع العربي لدوافع عرقية وعنصرية عدا أن هناك سبباً متعلقاً بعدم الإهتمام المجرد. ناهيك أن فلسطينيين يرفضون العمل فيها إما لأسباب مبدئية ووطنية، او انهم يخشون العمل في دائرة التحقيقات الخاصة بالكشف عن الفساد والجريمة المُنظمة في مجتمعاتهم المحلية؛ الأمر الذي يجعلهم في دائرة الخطر على حياتهم.

وبالإنتقال للأسباب الذاتية لأزمة البطالة في ميدان الصحافة في أراضي 48، فإن وسائل الإعلام الخاصة بفلسطينيي الخط الأخضر هي الأخرى تتحمل مسؤولية كبيرة في عدم استيعاب عدد كافٍ من الصحافيين لديها؛ ذلك أنها في معظمها تجارية وليست مهنية، بحسب مجلي.

ويوضح الكاتب نظير مجلي في هذا السياق، ان هناك نحو أربعين وسيلة اعلامية عربية في اراضي 48، بيدَ أن الطامة الكبرى، هي أن معظم الصحف والمجلات تهدف إلى الكسب والتجارة على حساب المهنية.

وعلى الرغم من حاجة السوق الفلسطيني في مناطق 48 لمزيد من الإذاعات والتلفزة، تُقنن السلطات الإسرائيلية منح ترددات إذاعية وفضائية لهم؛ لأسباب أمنية واقتصادية وإجتماعية، ولكنها مؤخراً طرحت مناقصة لتردد خاص بإنشاء إذاعة جديدة، بالإضافة إلى راديو "شمس". والغريب أن أحداً من الفلسطينيين لم يتقدم لهذا العطاء، فتم تأجيل طرحه لمرات عديدة.

ويعزو مجلي السبب في ذلك الى احتكار ثلاث شركات اعلانية للسوق، إذ لديها وسائل اعلامية خاصة بها في البلدات والمدن الفلسطينية في أراضي 48، عدا عن أنها هي التي تجعل الموارد الاعلانية للوسائل التي تريدها، ما يجعل العديدين يترددون في المغامرة والاستثمار في هذا القطاع؛ فضلاً عن عدم اهتمام الكثير من رجال الاعمال الفلسطينيين في الداخل بالاستثمار في هذا المضمار وقد كانت هناك تجارب فاشلة من هذا القبيل خلال السنوات الماضية.

ولا ننسى سبباً مهماً في عدم خروج وسائل عربية جديدة، ويكمن في أن الصحافيين البارزين والكبار في أراضي 48 يرفضون المغامرة والانتقال لوسيلة جديدة، فيبقى كل منهم في مكانه حيث يعمل.

والحقيقة، أن العوامل سابقة الذكر، تقودنا للإدراك بأننا أمام أزمة جدّية في الاعلام العربي في اسرائيل، فهذا الإعلام ارتأى أن يكون تجارياً أو حزبياً في أغلبه، ناهيك أن مضامينه خالية من التحقيقات الصحافية العميقة التي تفتح ملفات الفساد وغيرها. فهي لو توفرت، لفتحت الباب امام توظيف العديد من الصحافيين المهنيين.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024