ميشال عون في السنة السادسة: لا قعر للإنهيار

قاسم مرواني

الأحد 2021/10/31
لو أردنا اليوم أن نتخيل لحظة وصول الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا لأول مرة بعد توليه الرئاسة، ما الذي فكر به؟ ما الصور التي جالت في رأسه؟ بماذا شعر؟

كمسيحي ماروني لا شك، هناك الصورة النموذجية للرئيس كميل شمعون، الممثل الأبرز للبرجوازية المسيحية الحاكمة، هناك أيضاً صورة الجنرال فؤاد شهاب، القادم من المؤسسة العسكرية وصاحب مبادرات الانفتاح في الحكم على شركائه المسلمين في الوطن، وأطلق عليه المسلمون لقب "أبو علي شهاب". عهدان ذهبيان لا شك أن ميشال عون رأى في نفسه الرمز القادم لعهد ذهبي آخر. 

خمس سنوات مرت على توافق الزعماء السياسيين في لبنان على تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية اللبنانية. بقي عام واحد على انتهاء فترته الرئاسية. عام وعد فيه الرئيس عون اللبنانيين، في الصيف الفائت، بأن يكون عام الإصلاح.

بشكل غير مباشر، يستطيع المرء أن يفهم اعتذاره ربما، أو اعترافه على الأقل، أن الأعوام السابقة كانت عبارة عن فشل ذريع، ومع ما يمر به لبنان اليوم، من صراعات على ملفات تحقيق المرفأ والطيونة وتعطيل الحكومة وأزمة دبلوماسية مع دول الخليج، يبدو أن العام الأخير لن يختلف كثيراً عن سابقيه. 

جمهور "التيار الوطني الحر" في مواقع التواصل الاجتماعي، تعهّد بالوفاء للجنرال عون، هم على دراية تامة بأن عهده كان مخيباً للآمال، جميعهم يمنّون النفس بتأشيرة هجرة إلى أول بلد أوروبي متاح، غير أن الجنرال يبقى أيقونتهم، أيقونة صراع خاضوه منذ تسعينيات القرن الماضي، من أجل تحقيق حلم سيحافظ على نفسه كحلم ولن يصبح واقعاً أبداً. الوفاء هنا ليس لميشال عون بقدر ما هو وفاء لهذا الحلم، ويبدو أن وداع الجنرال في سنته الأخيرة سيكون أشبه بمرثية للحلم، حفل جنائزي يحمل فيه أنصار "التيار الوطني الحر" حلمهم إلى مثواه الأخير. 
لا شك أنها السنوات الخمس الأسوأ في حياة اللبنانيين، حتى أولئك الذين عايشوا الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي الذي ترافق معها وتلاها، يجزمون بأن الأمور الآن أسوأ. ففي الحرب كانت هناك دائماً مناطق آمنة، كانت هناك ودائع ودولارات متوفرة، وقد لا يتحمل ميشال عون كامل المسؤولية عما وصلت إليه الأمور اليوم، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر بأن خيار إيصاله إلى سدة الرئاسة كان خياراً سيئاً بامتياز. 
إثر وصول الجنرال إلى رئاسة الجمهورية، عاد الصراع الاسلامي المسيحي إلى الواجهة، صراع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على الصلاحيات تخلل كل الحكومات التي تعاقبت، ثم هناك مطالبة التيار الوطني الحر بحصته من جبنة السلطة التي تفردت بها الأحزاب التي حكمت خلال الوصاية السورية على لبنان، مع كل ما استتبع ذلك من عمليات تعطيل. 

كذلك فإن وصول الجنرال بالنسبة لدول الخليج العربي والدول الغربية، يمثل امساك حزب الله بالحكم في لبنان عبر حليفه، ما أدى إلى تعقيد الحلول والمساعدات وفتور في علاقات لبنان بدول الخليج، وخصوصاً السعودية. 

ميشال عون الذي رفض أن يأخذ العالم توقيعه، رفض بدوره أن يوقع على مصالح الشعب اللبناني، من أصغر قضية تتمثل في توقيع مرسوم مأموري الاحراش، الى أكبرها.. هكذا لم تحصل مفاوضات صندوق النقد إلى اليوم، ولم تستقر بنية السلطة ولا بنيان الدولة. لم تترسم الحدود الجنوبية للبدء بالتنقيب عن النفط... خمس سنوات من اللاتوقيع، خمس سنوات من الشلل.
هناك صعوبة في تخيل كيف كان لبنان قبل خمس سنوات والذي كان ميشال عون قد وعد بتسليمه إلى الرئيس القادم بحال أفضل. يتأقلم العالقون هنا على نمط حياتهم الجديد، ينسون كل الوعود التي أغدقها الجنرال عليهم كما باقي السياسيين، خمس سنوات نقلت اللبنانيين إلى بوابة جهنم.
 
كيف نتخيل ميشال عون اليوم؟ حاملاً معولاً ويحفر.. إلى أي قعر يمكن ان يصل البلد؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024