منابر الاعلام للسياسيين..لا مكان لهم في الميدان

نذير رضا

الجمعة 2019/10/18

الطلب الذي وجهه متظاهر للنائب الياس حنكش خلال التظاهرة في وسط بيروت، فجر الجمعة، يلخص الحراك القائم. "كل يوم التلفزيون لك. اليوم التلفزيون لنا". استجاب حنكش، والتزم الصمت، قبل الخروج من وسط بيروت عائداً الى برمانا، حيث أدلى بتصريح تلفوني. 

والحال ان الشارع، هو ملك المتظاهرين وحدهم. أما السياسيون، فلا منبر لهم سوى وسائل الاعلام التقليدي. وحده السياسي لا يزال ينظر الى وسائل الاعلام التقليدي بوصفها منبراً. والاخيرة تقاسمه هذا التوجه. 

يتشارك السياسي ووسائل الاعلام الموقع نفسه، والموقف نفسه، من الحراك المشتعل. هي تكشف سقطات وهفوات الغاضبين، في معرض نقل هواجسهم ومطالبهم، فيظهرون بمظهر الغوغائيين والشتامين. وهو (السياسي)، لا منبر له سوى الشاشات في مقابلات تلفزيونية وتلفونية، لعلمه انه لا مكان له في الحراك، ولا مساحة لتصريحاته في الشارع، ذلك الذي بات ملكاً للمحتجين. فالشارع، لا يحتمل تسييساً، أو التفافاً على مواقف سياسية وتسويات، ولا هرولة باتجاه مصادرة قرار الناس الذي خرج الى الشارع، آملاً عدم العودة منه قبل أن يتحسن وضعه المعيشي. 

والحال ان الانتظار الذي طال منذ 8 سنوات، انفجر دفعة واحدة في الشارع. لم يكن متوقعاً أن تتدحرج كرة الثلج. فللمرة الاولى، تخرج الثورة في موقعين متزامنين: في الميدان، وفي مواقع التواصل الاجتماعي. وللمرة الاولى أيضاً، تجد وسائل الاعلام التقليدي نفسها تابعاً لحراك لم تصنعه، ولم تقدم جديداً إلا المواكبة السياسية. 

باحتان للشعب لاذ بهما. ميادين بيروت والمناطق، وميادين التواصل الاجتماعي. هنا، الثورة بأوجها، وبوجوهها المكشوفة للنيران والاطارات المشتعلة. 

سقط حاجز الخوف؟ يُطرح السؤال على مساحات واسعة، لكنه رهان يتطلب التريث. ففي احدى الساحات، تشتعل 8 اطارات مشتعلة تحت صورة ضخمة لأحد الزعماء اللبنانيين. لا تقرب النيران منها. ويحميها المتظاهرون بأجسادهم العارية. فهم يخرجون على الزعيم الآخر، لم يحددوه، ولا يمتلكون أدنى فكرة عن هويته، لأنه لا قائد فعلياً للحراك، ولا خطة محددة مسبقاً، ذلك انها خرجت، بعد ساعتين على اندلاعها، من سيطرة محركيها. 

ثمة الكثير مما يُقال في الشارع. والكثير من الغضب، والاحتجاج على وضع معيشي صعب ويزداد صعوبة، ولا أفق للحل حتى الآن. لكن في المقابل، ثمة الكثير من الهواجس المترتبة على سقوط الحكومة في الشارع. وفي جميع المعطيات، تهتز الحكومة على وقع احتجاجات خارج أسوارها، وتجاذبات سياسية داخلها. 

في هذا الوقت، تفتح وسائل الاعلام منابرها لسؤال المتظاهرين الذي أطلقوا العنان للشتائم، وهي عينات مختارة بعناية لاظهار غوغائية. فيما، على الطرف المقابل، تسكن العينات الهادفة، تلك المدركة لحق التظاهر، وللهدف، في مواقع التواصل الاجتماعي. تم التعبير عنها في أكثر من هاشتاغ منذ مساء الخميس. وتصدرت قائمة الوسوم الاكثر تداولاً في "تويتر". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024