مدوّن مجهول يكشف المخاض السياسي لداوود أوغلو

جو حمورة

السبت 2016/05/07
قد يكون توصيف حالة الإعلام التركي بالهستيرية، توصيفاً ملطفاً عند النظر إلى كيفية تعاطيه حالياً مع خلافات حكام تركيا. فالأسبوع الماضي حمل كثيراً من الهمس والتلميحات حول "خلافات الأخوة"، كذلك أظهر كثيراً من التسريبات والنظريات "المؤامرتية" التي لم تستثنِ أروقة المكاتب السياسية ووسائل الإعلام والمدونات الإلكترونية.

المعنيون كثيرون، والقضية واحدة. فهي استمرار رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو في لعب دور في السلطة وموقع القرار أم لا. وذلك بعد خلافه مع رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان. وتصدر هذا الخلاف صفحات الصحف وحديث الأتراك في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة.

إلا أن "أزمة الحكم" التي ظهرت إلى العلن في الثالث من شهر أيار/ مايو، لم تكن جديدة بالنسبة إلى متصفحي وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات الإلكترونية التركية. إذ إن مدونة واحدة كانت سبّاقة في الكشف عن أسباب الخلاف بين الرجلين الأقوى في تركيا، وطرحت مصير أوغلو وأسباب إقصائه من السلطة.

فقبل يومين، في الأول من أيار/ مايو، انفردت مدونة جديدة حملت إسم "قضية البجع" بحوار متخيل مستوحى من الواقع بين أردوغان وأوغلو. و"قضية البجع" (The Pelican Brief) هو فيلم رعب سياسي مستوحى من رواية أميركية يعود إلى العام 1993، يدور حول خلافات تتعلق بقضايا سياسية وقانونية، وينتهي باستقالة الحاكم ومغادرته للسلطة.

بالمقارنة مع مضمون التدوينة الوحيدة المنشورة على المدونة، يبدو اختيار الإسم موفقاً، حيث يدور الحوار حول "المتآمرين على تركيا" في إشارة إلى أوغلو، و"القائد المخلص" المشار إليه بأردوغان. ويعتبر المدون المجهول الهوية، الذي تردّ معظم الصحف التركية هويته إلى أحد الصحافيين المقربين من أردوغان، أن "تركيا بحاجة إلى التخلص من الخونة"، وأن أوغلو ناكر للجميل بعدما تم اختياره لرئاسة الحكومة ورفضه لاحقاً تغيير الدستور التركي لجعل البلاد ذات نظام رئاسي.

ويعود الخلاف الأخير بين أردوغان وأوغلو إلى رغبة الأول في التقدم نحو إقرار دستور جديد لتركيا يعطيه صلاحيات كبيرة، فيما لا يبدو الثاني كثير الحماسة لهذا الطرح الذي سيقلل من صلاحياته. فيما عمد أردوغان، وبسبب سيطرته على المكتب السياسي لـ"حزب العدالة والتنمية" الذي يرأسه أوغلو، إلى تقليص صلاحيات هذا الأخير في تعيين مسؤولي الحزب.

في حين انتهى الأمر بأن شن الإعلام التركي الموالي للرئيس حملة إعلامية خجولة واكبت الإعلان عن تنظيم مؤتمر حزبي عام جديد لانتخاب رئيس جديد للحزب، ما يعني نهاية عصر أوغلو في رئاسة "العدالة والتنمية" والحكومة.

وعمد نص التدوينة الطويل الذي تم نشره آلاف المرات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إبراز أسباب وجوب مغادرة أوغلو السلطة، ووضع معظم اللوم عليه في المشاكل الداخلية والخارجية التي تواجه الدولة التركية. وانتهى النص بجملة "هذه معركة، وهوية الخاسر واضحة"، في إشارة إلى أن نهاية تأثير أوغلو في القرار السياسي ستكون كنهاية فيلم "قضية البجع"، وذلك عبر الاستقالة والإنسحاب من المشهد السياسي المؤثر ومركز القرار.

قد يكون اختيار أردوغان ومكتبه أساليب المدونات السرية، والهمس في التعاطي مع إخراج أوغلو من السلطة مفهوماً لعدم "نشر غسيل" حكام تركيا على صفحات الصحف الأولى، ولعدم إظهار ضعف السلطة التركية وخلافات حكامها وإختلاف خياراتهم السياسية حسب ما يقول المعارضون. إلا أن إعتماد هذا الأسلوب يشي بأساليب مخابراتية عند المواجهة السياسية بين "الأخوة"، والإتكال على الفضاء الإلكتروني والمدونات كأسلوب ضغط سياسي مؤثر على مصير البلاد وحكامها، وبروز هذا الحيز الحر لقول ما لا يمكن قوله في الإعلام المرئي والمكتوب الملزَم باستخدام كلمات منمقة واتباع أساليب محترفة وشبه موضوعية عند التعاطي مع قضايا سياسية تتعلق بمصير القابضين على السلطة.

ورغم أنها مجرد مدونة إلكترونية، إلا أن "قضية البجع" كانت سبّاقة في إذاعة بيان إستقالة أوغلو قبل خمسة أيام من تلميحه لذلك. فيما بات مصير رئيس الحكومة التركية معلقاً بمؤتمر حزبه العام الذي سيعقد في 22 أيار/ مايو. وهو مؤتمر يسيطر أردوغان على القرار السياسي لمعظم أعضائه، حيث من المتوقع أن يصبح أوغلو بعد انعقاده الرئيس السابق لحزب "العدالة والتنمية".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024