ضابط في"حماس"لـ"المدن": هكذا نفكك مجنّدي اسرائيل عبر فايسبوك

فادي ن. الشافعي

الإثنين 2019/02/25
بث جهاز الأمن الداخلي في غزة قبل فترة مقطع فيديو يظهر اعترافات مسجلة لخمسة عملاء فلسطينين تمكن من القبض عليهم خلال عملية تتبع مكثفة شنتها أجهزة الأمن في القطاع؛ على أثر انكشاف تسلل قوة اسرائيلية خاصة إلى مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة في نوفمبر/تشرين ثاني 2018.  حيث قاموا بتسهيل دخولها وتوفير الاحتياجات اللوجستية لها. 
يظهر في الفيديو، بالإضافة إلى الطرق التقليدية التي يتبعها "الشاباك" في تجنيد العملاء، الاتصال عبر الجوال والاخضاع للمقابلات أثناء المرور عبر حاجز بيت حانون/ايرز، استغلال جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" مواقع التواصل الأجتماعي لتجنيد عملاء غزيين؛ ويبدو أن "الشاباك" قد لجأ الى هذه الطريقة بهدف خلق قنوات تواصل مع الغزيين بعدما فقد الاحتكاك مع غالبيتهم منذ العام 2005، عام الانسحاب الاسرائيلي من القطاع. 

يتحدث الفيديو عن تفكيك شبكة تتكون من 45 عميلاً، بث اعترافات خمسة منهم، واحد من بين هؤلاء الخمسة تم تجنيده بواسطة "فايسبوك"... وكان في العام 2017 قد بث الجهاز فيديو آخر لـ45 عميلاً قبض عليهم إثر حدث أمني. وفي المقطعين تبيّن اتباع جهاز الأمن الاسرائيلي تجنيد عملاء جدد من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. 

من جانبه، قال الضابط أبو محمد من جهاز الأمن الداخلي في مقابلة مع "المدن" أن "7 من بين العملاء الـ45 الذين قبض عليهم بعد عملية خانيونس، اعترفوا أنهم جُنّدوا من طريق مواقع التواصل الاجتماعي". 

تتراوح أساليب تجنيد الفلسطينين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ما بين الابتزاز، التهديد أو الترغيب، ويرجع ذلك لشخصية المستهدف وظروف استهدافه. وسرد الضابط أبو محمد لـ"المدن" قصصاً مختلفة حول عمليات التجنيد، بعضها أدى إلى الاسقاط الفعلي، وآخرون حين وجدوا انفسهم في ورطة قاموا بتسليم انفسهم إلى جهاز الأمن الداخلي قبل أن يقدموا أي معلومات لضباط المخابرات الاسرائيليين. وتابع: "خلافاً لعمل أجهزة المخابرات، تتبع المخابرات الاسرائيلية طريقة عشوائية تهدف لتجنيد أكبر عدد ممكن من العملاء، إلى جانب الاستهداف المدروس، وهي الطريقة الشائعة في التجنيد عند جميع أجهزة المخابرات العالمية على حد قوله". 

واحدة من بين تلك القصص، حدثت مع شاب يعمل مسوّق ومدير محتوى، وفي سياق عمله في الترويج لنفسه تواصل مع أحد المستخدمين، وطلب منه التسويق لبعض الصفحات بين جمهوره، بمقابل مادي، وبدأ الشاب في تنفيذ عمله كالمعتاد، وجرت بعض المحادثات القصيرة بينه وبين الزبون، ليكتشف الشاب لاحقاً أن الزبون قام بزرع برامج تجسس في جهازه ضمن الملفات التي كانوا يتبادلونها للعمل، حيث تمكن من اختراق حساباته في فايسبوك، ثم كشف عن شخصيته الحقيقية أنه ضابط مخابرات اسرائيلي وطلب من الشاب تزويده ببعض المعلومات الميدانية، إلا أن الشاب رفض التعاون معه فقام بتهديده، بأنه اصبح قادر على تخريب واغلاق الصفحات التي يديرها لزبائن آخرين، وما كان من الشاب وهو مهندس تكنولوجيا معلومات إلا أن قام بتسليم نفسه لأجهزة الأمن وقص عليهم ما حدث. طبعاً هذه الحادثة تُضاف إليها عشرات حوادث المساومة الأخرى التي قصها الضابط أبو محمد لـ"المدن". 

تنقسم صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لأجهزة الأمن الاسرائيلية إلى قسمين، الأولى، تعمل في شكل علني لفتح قنوات التواصل مع المستخدمين الفلسطينين، من دون إخفاء هويتها، أما الثانية فيديرها ضباط المخابرات في شكل سري، حيث يدعون أسماء عربية، ويظهرون كمتضامنين مع القضية الفلسطينية، ويعبرون عن رغبتهم في تقديم الدعم المالي أو الإنساني والنفسي للغزيين. 

يقول الضابط أبو محمد لـ"المدن": "بعض المستخدمين الفلسطينيين وبدافع الفضول، أو الرغبة في طلب المساعدة، للسفر عبر معبر بيت حانون/ايرز، يقدمون أنفسهم في مواقع التواصل في بعض الصفحات المعروفة أنها لضباط مخابرات اسرائيليين"، ويتابع: "بالرغم من أن جهاز الأمن الداخلي يعرف العشرات منها، سواء كانت تعمل في شكل سري أو علني إلا ان الجهاز يرفض الكشف عنها كون ذلك قد يساعدها في التغلغل، والانتشار أكثر فأكثر بين دوائر المستخدمين الفلسطينيين".

في الجانب الآخر، وفي اطار محاولة جهاز الأمن الداخلي في غزة لمكافحة هذه الظاهرة، يقول أبو محمد: "ضباط جهاز الأمن الداخلي يعملون على متابعة المستخدمين الغزيين ممن يقومون بالتفاعل مع صفحات المخابرات الاسرائيلية، وتتواصل معهم دائرة العلاقات العامة التابعة للجهاز؛ لتحذيرهم من مغبة التورط في التفاعل مع هذه الصفحات وأنه من الممكن أن يتعرضوا للمساومة أو الابتزاز". 

منذ العام 2013، حذر أمنيون فلسطينيون المستخدمين الفلسطينيين لمواقع التواصل الاجتماعي من الوقوع في الأفخاخ الاسرائيلية التي تهدف إلى تجنيدهم كمتخابرين مع اسرائيل، وقد سارع كتّاب متخصصون في الشأن الاسرائيلي، ومؤسسات ووسائل اعلام محلية واقليمية الى نشر هذه التحذيرات أكثر من مرة. إذ نشرت صفحة الأمن الداخلي في فايسبوك، وموقع المجد الأمني، تقريراً يشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت "تشكل ساحة نشطة لعمل المخابرات – الاسرائيلية - في السعي خلف تجنيد المواطنين".

كذلك حذر الباحث في الشأن الاسرائيلي صالح النعامي، في مقالات، ومنشورات في فايسبوك من ذلك، وذكر الكاتب أحمد حامد البيتاوي في كتابه "العملاء والجواسيس الفلسطينيون.. عين إسرائيل الثالثة" أن اسقاط الفلسطينيين من خلال الشبكة العنكبوتية عامة، ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، واحد من اساليب اسرائيل الجديدة في تجنيد العملاء. وتحدث الكتاب عن تأسيس الجيش الاسرائيلي وحدة سيبرانية متخصصة بجمع المعلومات ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، يطلق عليها اسم "حتسف". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024