"المرئي والمسموع" كبديل للأجهزة الأمنية: مهمة رقابية على الإعلام

نذير رضا

الإثنين 2020/04/13
تتحلل قبضة الرقابة الأمنية شيئاً فشيئاً عن وسائل الإعلام. كل المقترحات التي تُناقش منذ فترة في الأروقة الحكومية والبرلمانية تفضي الى ذلك، وسط معطيات جديدة وتدابير وتوصيات اتخذها "المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع" منذ اسبوعين، ضمن خطوات لتنظيم الاعلام الالكتروني.. من دون أن يعني ذلك بالضرورة فضاء إعلامياً مفتوحاً بالمطلق.


وبدأ هذا الدور بالسطوع عندما أصدر المجلس تقريره للرصد الإعلامي في الاسبوع الاخير من مارس/آذار، أضاء فيه على تطورين بارزين، أولهما مرتبط بإذاعة غير مرخصة في الجبل (منطقة الشوف)، "تثير النعرات الطائفية"، والثاني مرتبط بمطالبة الإعلاميين قبل سواهم بروح التضامن الوطني، على اعتبار أنّ "مواصلة الحملات العدائية والاتهامية في الشاردة والواردة هي طعن للتضامن المنشود في التصدي للخطر المشترك".

والملف الاول، خرج الى الضوء اثر التقاط بث إذاعة غير مرخصة في جبل لبنان، تثير النعرات الطائفية وتنبش في ذاكرة الحرب ومآسيها. تواصل معنيون في "الحزب التقدمي الاشتراكي" مع مطران دير القمر، وأثاروا الموضوع معه، كون ناشر "اذاعة الشوف المسيحية" يبث من دير القمر، كما تقول مصادر الحزب لـ"المدن"، وهي تبث بطريقة رقمية، ويتم تتبع بثها عبر صفحتها في فايسبوك.

في الوقت نفسه، التقط "المرئي والمسموع" هذه القضية من خبر نُشر في جريدة "النهار" في زاوية "اسرار الآلهة"، فأحال الملف الى المديرية العامة للأمن العام للتحقق منها، وجاء الجواب بالايجاب حول وجودها، فتمّت مطالبة القضاء بالتحرك لوقف البث.

وفيما يعد ذلك جزءاً من مهام "المرئي والمسموع" الذي يضطلع قانوناً بها، ويمنحه القانون سلطة الإدلاء باستشارة ملزمة، اي انه لا يمكن العمل بعكسها في حال لم يؤخذ بها، فإن دوره في تنظيم الاعلام الالكتروني هو دور جديد، يُضاف الى صلاحياته ضمن مقترحات القانون الجديد الموجود في لجنة الإدارة والعدل النيابية، بحكم ان "الاعلام الالكتروني" هو مرئي ومسموع الى جانب انه مكتوب.

وكان البيان الذي أصدره المجلس في مطلع الشهر الحالي (نيسان) بمثابة اعلان عن تنظيم جديد للعمل الاعلامي في لبنان. فقد أبلغ المواقع الإلكترونية الإعلامية بضرورة التقدم بطلبات للحصول على بطاقات صحافية. وطالبها بالالتزام بأخلاقيات المهنة، ووضع ضوابط النشر أيضاً. ويُعدّ استصدار البطاقات "خطوة أولى لتنظيم هذا العمل الإعلامي الرقمي"، بحسب ما يقول رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ لـ"المدن"، علماً أن في لبنان 300 موقع الكتروني حاصل على علم وخبر من المجلس.

والمهمة الجديدة، هي استهلال لمهمات أوسع يمنحها قانون الإعلام، للمجلس، ويعطيه "سلطة تقريرية" تتخطى السلطة الاستشارية الممنوحة اليه الآن، ليكون السلطة التقريرية الوحيدة، كما يقول محفوظ، "خارج الاستنساب السياسي". وسيكون المجلس صاحب القرار الوحيد في الرقابة على وسائل الاعلام الالكترونية، وهي رقابة لاحقة تتم عبر التقصي والرصد، وليست رقابة مسبقة. 

في الآليات المقترحة، يرصد المجلس المحتوى، وفي حال تضمن تجاوزات مثل إساءة سياسية أو طائفية، سيتدخل المجلس ويتخذ القرار بشأنها. يقول محفوظ: "الغرامة المالية تدبير أساسي سيتم اتخاذه بحق المخالفين، لتجنب اثارة النعرات الطائفية والسياسية ولتشديد الالتزام بالمعايير المهنية مع الحفاظ على الحريات الاعلامية وعدم المساس بها". وفي حال اعتراض من تمت إدانته، "يلجأ الى القضاء لتحصيل حقه، والقضاء هنا سيفصل في ما إذا كان المجلس أساء التدبير أم لا".

والحال ان هذا المقترح، إذا تم اقراره بتوسعة صلاحيات المجلس، من سلطة استشارية الى سلطة تقريرية معنية بالرقابة على وسائل الاعلام الالكتروني، فإن لبنان يكون قد قوّض سلطة الأمن الذي تتقلص صلاحياته الرقابية تدريجياً عن رقابة وسائل الإعلام.

ففيما تخضع الصحف الورقية لرقابة دائرة المطبوعات في الأمن العام، وتعد محكمة المطبوعات مرجعاً للبت بقضايا النشر، اضطلع "المرئي والمسموع" بسلطة الرقابة على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة خارج السلطة الأمنية. وتخرج الآن، بموجب اقتراحات القانون الجديد، السلطة الأمنية بالكامل عن وسائل الاعلام الالكترونية، إذ لن يكون لمكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية سلطة استدعاء، الا في حالات الإحالة القضائية للتحقق، وسيخضع متجاوزو القانون لسلطة المجلس وغراماته.

يؤكد محفوظ ان المقترحات الجديدة تهدف الى حماية الحريات الاعلامية والتداول الحر للمعلومات، وهو "قانون عصري" لا يمس بالحريات الاعلامية، والأهم أن "القضاء سيبقى الحَكَم في أي تجاوزات". ويشير الى انه على ضوء التجاوزات التي رُصدت في اداء بعض المواقع الالكترونية في أواخر مارس/آذار الماضي، والتي تمت الإشارة اليها في التقرير، "وجهت إنذارات لها، وتنبيهات للأخطاء الواردة"، في اشارة الى المحتوى الذي بث الشائعات، بحسب ما ورد في التقرير، و"الحملات العدائية والاتهامية".. وإن ظلّت مصطلحات من هذا النوع فضفاضة وغائمة، يمكن تفسيرها واستخدامها بشتى الطرق، وبالتالي لعلها تحتاج الآن، أكثر من أي وقت مضى إلى تعريفات إعلامية وقانونية غاية في الوضوح.

وفيما من الصعب الجزم الآن بالدور المنتظر الذي ينص عليه القانون، بانتظار الانتهاء من مناقشته في لجنة الادارة والعدل ليُحال الى اللجان المشتركة قبل أن يُحال الى الهيئة العامة لمجلس النواب، سرّعت أزمة "كورونا" والتطورات المرتبطة بالاداء الاعلامي على الضفة الرسمية المباشرة بتدابير، يؤكد محفوظ إنها لتنظيم عمل الإعلام الالكتروني.
ويبقى السؤال عما إذا كانت الرقابة الأمنية إلى زوال فعلاً.. أم أنها فقط تغيّر جِلدها، أو تتراجع إلى الكواليس حيث يمكنها "العمل" بحرية أكبر ونقد أقل؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024