"انترنت الأشياء" السوق الأكبر في 2020.. وبياناتنا أكثر هشاشة

بتول خليل

الجمعة 2015/05/08

ليس تزايد عدد الأدوات المتصلة بالشبكة الالكترونية في حياتنا اليومية سوى أحد آليات انتقالنا إلى عصر "انترنت الأشياء"، أي "الثورة التكنولوجية المنتظرة"، على ما وصفها خبراء ومحللون، ممن رأوا فيها مساراً لتحقيق وعود توحيد الأنظمة والسماح بربط المنتجات الرقمية والالكترونية مع بعضها البعض، حيث يصبح تواصل الأشخاص مع الحواسيب والأجهزة الذكية متاحاً ومبرمجاً عبر شبكة عالمية واحدة.

ومع توقّع المتخصصين بأن يتحوّل "انترنت الأشياء" في العام 2020 إلى أكبر سوق في أجهزة العالم، دفعت هذه التطورات الجذرية واللافتة بالخبراء والمهتمين بالشأن الرقمي، بما فيه حقوق المواطن الالكتروني، إلى تسليط الضوء على تأثير هذه التحولات في عملية تداول البيانات وما يرافقها من إشكالات، تبلورها النقاشات العالمية والعربية الراهنة والمستمرة. ففي كل ثانية، يتّصل مليارات من البشر حول العالم اليوم بالشبكة الالكترونية، فيما يولّد كل شخص من مستخدمي الانترنت حول العالم أطناناً من البيانات، من النتائج عبر محركات البحث إلى نقرات الإعجاب في "فايسبوك"، ومن خدمات تحديد المكان إلى قوائم المتصلين والمشتركين والتسوّق الإلكتروني إلى متابعة التغريدات عبر موقع "تويتر".

وأمام هذا الحراك الالكتروني بما فيه تضخّم عمليات توليد البيانات، برزت أسئلة وإشكالات على غرار مَن يتلقى البيانات؟ مَن يتمتع بالقدرة على حل رموزها؟ كيف يتم استخدامها لأهداف تجارية؟ وما هي التبعات التي يخلفها هذا الشكل الجديد من الاتصال على حرية الناس الشخصية والعامة وعلى الأنظمة السياسية؟

النقاش حول هذه الأسئلة وغيرها من المحاور المرتبطة بمضمونها كان خلال جلسة نظمتها "مؤسسة سمير قصير"، ضمن فعاليات "مهرجان ربيع بيروت"، مساء الخميس، واستضافتها الجامعة اليسوعية، حيث اجتمع صحافيون ومتخصصون عرب وأجانب في جلسة حوار جماعي، أدارتها المديرة التنفيذية لـ "المركز العالمي للصحافة والديمقراطية"، كيلي أرينا، واندرجت تحت عنوان: "الحرية والخصوصية: المعادلة المستحيلة؟".

وإذ انطلق النقاش من إشكالية المواءمة بين التقدم الرقمي والحفاظ على الخصوصية الفردية، أكّد مؤسس منظمة "إكس لاب" والناشط في مجال ثقافة الانترنت، ساشا مينراث بأنه "صار من الصعب الخروج من دائرة  سيطرة الرقابة التي ساهم عصر انترنت الأشياء بتوفير منافذ أوسع لها"، لكن برأي مينراث "من الخطأ القول إنه كلما تقدّمت التكنولوجيا ماتت الخصوصية. فيما يتمثل الحل الأبرز في هذا الإطار عبر إصدار قوانين واضحة تراعي جانب الخصوصية كحق مشروع للمواطن، وذلك إلى جانب تفعيل دور المجتمع المدني للتحرك وإطلاق حملات مكافحة الرقابة".

لكن الحديث عن الإطار القانوني الناظم لعمليات الرقابة الحكومية يستدعي التوقف عند المواد الدستورية والقوانين الموضوعة سلفاً، والخروقات "المشرعنة" التي تطاولها. وهو ما سلّط عليه الضوء مدير المناصرة في "منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي" (سميكس)، محمد نجم، من خلال حديثه عن التجربة اللبنانية في هذا الإطار. إذ إن لبنان هو البلدان الموقعة على عدة اتفاقيات تتعلق بحماية خصوصية المواطن. كما أن الدستور اللبناني يكفل هذا الحق، والقانون رقم 140 المتعلق بالاتصالات يشمل تنظيم عملية التنصت. لكن "حين يأتي الأمر للتطبيق، فإن ما يحصل مخيف حقاً. فهناك خروقات كثيرة للقانون، منها الرقابة القاسية، الاحتجازات والتحقيقات مع أفراد ومدونين وناشطين وصحافيين على خلفية نشاط الكتروني معيّن. ما يعني أن السلطات اللبنانية التي تضع القوانين، غالباً ما تكون أوّل من يخرقها".

لا يختلف الوضع في الأردن لناحية الخروقات عينها، حيث يكفل الدستور الأردني الحق بالخصوصية، لكنه يتضمّن أيضاً استثناءات عديدة يتم استغلالها في معظم الأحيان لخرق خصوصية المواطنين والتجسس عليهم، حسبما تقول الصحافية في مجلة "حبر" الالكترونية والباحثة في قضايا الحقوق الرقمية، ريم المصري، والتي تكشف بأنه "يمكن بسهولة لأي جهة حكومية أو أمنية التواصل مع شركات الاتصالات وطلب سجلات الهاتف والـبيانات الرقمية الخاصة بأي مواطن أردني. فيما تتمثل المشكلة في غياب مساءلة هذه الشركات حول تعاونها المفضوح مع الحكومة وأجهزة الاستخبارات". وفي رأي الجندي فإن "الإعلام الحرّ يساعد المواطن على معرفة ما يتعرض له من تجسس وتعقب تحركاته في الشبكة الالكترونية. فاليوم وبذريعة مكافحة الإرهاب يتم خرق القوانين تحت شعار الأمن، ما جعل المعادلة تتشكل على أساس أن تقول السلطات للمواطن: أعطِنا البيانات نمنحك الأمن". وعليه يمكن القول إنّ "القوانين الموجودة جيّدة، لكن يجب وضع حد لتدخل الحكومات بمختلف الطرق والأساليب".

"إنفاذ القانون هو أمر سهل ويمكن أن يطبّق بشكل بسيط، إذا ما أردات الجهات الحكومية والأمنية ذلك"، بحسب ما يرى الكاتب في الشؤون السياسية في موقع "دايلي دوت"، كيفين كوليير، الذي يشير إلى أن الواقع يفرض اللجوء إلى أساليب تحمي الخصوصية. فاليوم ومع وجود مؤسسات كبيرة مثل "فايسبوك" و"تويتر" و"غوغل"، صار من السهل الحصول على معلومات وبيانات وصور لأشخاص يتم وضعهم على قائمة المراقبة، لأهداف متنوعة، وخصوصاً الصحافيين منهم، ممن يتواصلون مع مصادر سرية، يخشى الصحافي عادةً الإفصاح عنه خوفاً من أن يعرضه للأذى او يعرض حياته للخطر. بالتالي يُنصح باستخدام أساليب مرمّزة، علماً أن كثير من المطورين أطلقوا تطبيقات تسمح باستخدام الرسائل المرمزة في الشبكة العنكبوتية.

غير أن خرق القوانين والتعدي على خصوصية الأفراد، لا تكفي مكافحته بالخفاء والترميز الالكتروني، بحسب كوليير. فبعد تسريبات إدوارد سنودن، تحول الحديث عن إصلاح النظم الرقابية ومكافحة الرقابة الحكومية والاستخبارتية إلى النقاش الأبرز في الولايات المتحدة اليوم، وما تتضمنه من حديث عن ضروة تفعيل دور التحركات المدنية، التي يرى كثيرون من المعارضين للرقابة وأجهزتها، بأن عليها أن تتحرك في وجه "وكالة الأمن القومي" والحكومة. فالسلطات الأميركية تتعزز قوتها في هذا الإطار، من خلال وجود كبريات شركات الانترنت والتكنولوجيا على أراضيها، ووجود علاقة وثيقة معها.

والحال إنه لا يمكننا الفصل بين جمع البيانات لأغراض تجارية أو لأهداف أمنية وسياسية كالتي تقوم بها "وكالة الأمن القومي" وغيرها من الجهات الاستخباراتية والحكومات الغربية والعربية. كما أن "الوثائق المسربة تشير إلى وجود علاقة وطيدة بين الشركات الخاصة ووكالة الأمن القومي. فالشركات تقوم بجمع البيانات حول الأفراد والعملاء، في الوقت الذي تحولت فيها الوكالة إلى الزبون الأكبر لهذه البيانات نفسها، حيث تشير تقارير عديدة إلى أن وكالة الأمن القومي وغيرها من الوكالات تبادلوا في السنوات الأخيرة مليارات البيانات والمعلومات الخاصة والسرية لمواطنين من كافة أنحاء العالم. علماً أن حكوماتنا العربية تتعامل أيضاَ مع هذه الوكالات للحصول على بيانات خاصة بمواطنيها"، تقول ريم المصري.

وفيما يؤكد ساشا مينراث على المعطيات التي أشارت إليها المصري، يلفت إلى مشروع قانون سيتم اعتماده قريباً في الولايات المتحدة تحت اسم "USA Freedom Act"، حيث يمثل هذا القانون تقويضاً صريحاً لحرية التعبير والحق بالخصوصية، إذ إنه يشرّع للشركات الخاصة بالتجسس على الجميع، وهو يمنحهم الحماية القانونية بهذا الشأن. لكن لماذا لم يتم التحرك للمطالبة بوقفه؟ يعلّق كيفين كوليير بأن "التراخي وقلة التحركات المدنية في الولايات المتحدة هو السبب الرئيس وراء ذلك". وهو الأمر الذي تؤكّد عليه ريم المصري، إنما من واقع التجربة الأردنية، حيث إن خرق القوانين الراعية لخصوصية المواطن، لا تتم مواجهتها مدنياً، نظراً لعدم وجود أي رغبة حالية بالتصدي للرقابة. فالمسائل والقضايا الأمنية تتصدر حالياً قائمة أولويات واهتمامات المواطن الأردني، بما فيه الجهات المدنية.

إذن هل يصبح الخيار بهذا الشكل متمثلاً بمعادلة "إما الخصوصية أو الأمن"؟ يعلّق كيفين كوليير بأنه "علينا أن نعي جيداً بأن "الحرية والخصوصية يكملان بعضهما البعض ولا يتعارضان. ومع التوعية بشأن الحقوق الرقمية والتشبّث بحق الوصول إلى المعلومات، فإن ذلك سيكفل إنطلاق تحركات مستقبلية تكافح الرقابة وتسعى للتصدي لها". لكن إلى حينه، ورغم أن الوعي بمخاطر الممارسات الرقابية التي تقوم بها الجهات الحكومية والأمنية، يبقى ضرورياً، وفقاً لمحمد نجم، فإنه من الضروري اليوم تعزيز دور الوسائل البديلة للمواقع والتطبيقات والأدوات المخترقة، والترويج لها على نطاق واسع.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024