عمرو مسكون في رمضان: كارثة الانقلاب على التجربة

وليد بركسية

الخميس 2020/05/07
لا جدال في الموهبة الكبيرة التي يتمتع بها نجم السوشيال ميديا السوري، عمرو مسكون (22 عاماً)، الذي يضحك ملايين المتابعين منذ سنوات، عبر شخصية "أم سوزان" وعائلتها، ضمن قناته في "يوتيوب" وحسابه في "انستغرام"...


إلا أن الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها في الموسم رمضان الحالي، بطرحه سلسلة متتابعة الأحداث تحت عنوان "كملت معي" (كتابة عبودة أسمر)، تكشف واحدة من المشاكل القديمة التي يعانيها منذ انطلاقته، وهي الثغرة الواضحة في مجال كتابة الأفكار التي يقدمها.

وكانت فيديوهات مسكون في السابق، مقتصرة على المقاطع القصيرة التي يرصد فيها المشاهد على الأغلب حياة عائلة أم سوزان مع الأحداث الجارية، كاعتزال المغنية المصرية شيرين عبد الوهاب، أو إعلان زميلتها اللبنانية إليسا شفاءها من السرطان، أو اقتراب موسم المدارس أو حلول موسم الأعياد، وغيرها من الأحداث البسيطة والمواضيع الرائجة. وكان ذلك، ممزوجاً بموهبة مسكون في تجسيد شخصيات متعددة بإكسسوارات بسيطة، كافياً لغض النظر عن مشكلة النصوص، التي قد لا تتخطى الفكاهة في بعضها، وإطلاق شتائم خفيفة وكلمات لاذعة وردح متبادل بين أفراد العائلة المحبوبة.

ولم يبتعد مسكون، المتحدر من مدينة حلب والمقيم في مدينة ليون الفرنسية، كثيراً عن تلك الخلطة في سلسلة "كملت معي" التي يطرح حلقاتها تباعاً في "يوتيوب" خلال رمضان الجاري. فتنطلق القصة من اضطرار "أم سوزان" إلى البقاء مع أفراد عائلتها في الحجر الصحي طوال شهر رمضان، مع والدها وعائلة زوجها، الذين صودف وجودهم في منزل العائلة بالتزامن مع إعلان إصابة جيرانهم بفيروس كورونا المستجد، ما يخلق العديد من الصراعات والمفارقات التي من المفترض أن تؤدي إلى الإضحاك.


والحال أن هذا المزج بين رمضان وكورونا في العالم الحقيقي، وحضوره في عائلة أم سوزان، مثل أي حدث آخر يعلق عليه مسكون، يكسر الجدار الرابع، ويجعل المشاهدين يشعرون بأن ما يتابعونه من دراما هو يوميات حقيقية لعائلة مماثلة لأي عائلة عربية أخرى. ومع ضعف السيناريوهات، التي كتبتها لمسكون أسماء عديدة خلال السنوات الماضية، فإنه بقي محافظاً على أداة واحدة لخلق الكوميديا، هي المبالغة في بناء الشخصيات. ولا يعتبر ذلك ذماً بالضرورة، خصوصاً أنه يكفي لحصد ملايين المتابعات التي ترتبط بلا شك بعامل ابتعاد مسكون عن المواضيع الجدلية كالجنس والسياسة والدين، وتقديم الكوميديا ضمن الآداب العامة والثقافة المحافظة للمجتمعات العربية، ومخاطبته لجمهور عائلي.

ولا يختلف الحال في المسلسل الجديد، الذي يصبح فيه الوقت عاملاً يلعب ضد مسكون. فالحلقات التي لا تتجاوز مدتها الـ15 دقيقة، تبدو طويلة، خصوصاً أن الشخصيات التي أدخلها مسكون إلى حياة الأسرة، مثل والد أم سوزان وحماتها، ليست مثيرة للاهتمام بحد ذاتها، وتقتصر وظيفتها على إثارة حنق أم سوزان، لسبب أو لآخر، من أجل خلق صراع ينتهي بالانتقام المضحك، يتبعه الرد الذي يشكل الانتقام المضاد، في تتالٍ يشبه صراع توم وجيري. لكن ردود الأفعال تصبح مع الوقت متوقعة، خصوصاً أن بقية الشخصيات تبدو أحادية الاتجاه في تفكيرها، وأقرب إلى صور نمطية ثقيلة الظل (الحمَى، العجوز الخرف، الفتاة المهووسة بالدراسة، المرأة الحامل،..) منها إلى شخصيات حقيقية وعميقة مثل أم سوزان، وبدرجة أقل بناتها.

واللافت أنه، حتى ضمن هذا الحيز الضيق، يستطيع مسكون خلق الفكاهة، ومن المبهر حقاً أن شخصاً واحداً يقوم بتصوير وإخراج وتمثيل 8 شخصيات في وقت واحد وبإمكانات بسيطة لا تتعدى حجاباً أبيض وبعض الشعر المستعار وكاميرا الهاتف المحمول التي تصور المشروع بكامله. ولا يمكن سوى مقارنة هذه الحالة، بحالة ممثلين معروفين مثل أمل عرفة التي قدمت في مسلسل "سايكو" خمس شخصيات دفعة واحدة، وكانت النتيجة كارثية.

ولعل هذه المقاربة تتسع في "كملت معي"، لتشمل ما تقدمه الدراما السورية هذا الموسم، والتي رغم تراجعها المخيف واقتصارها على 7 مسلسلات تقريباً، تبقى صناعة بإمكانات كبيرة، بالمقارنة مع شخص يصور اسكيتشات كوميدية بسيطة في منزله. ورغم ذلك يفشل بعضها، مثلما تظهر أرقام المتابعات في مواقع التواصل، في منافسته وتحصيل رُبع عدد المشاهدات التي يجنيها لحظة طرحه للحلقات الجديدة، والتي لا تقل أرقام متابعة أي منها عن مليون مشاهدة، علماً أن عدد متابعيه يتجاوز 3 ملايين في "يوتيوب" وحده.

وفي سنوات نشاطه الأولى في مواقع التواصل، كانت السيناريوهات التي يطرحها مسكون أكثر تماسكاً، وأقرب إلى اسكيتشات ولمحات طريفة، بتقديمه ثيمات بسيطة تلعب بطولتها شخصيات من دون أسماء، قبل أن تولد شخصية أم سوزان بمزج شخصيات متعددة قدمها سابقاً، منها شخصية "أم تحسين" التي يمكن متابعة قصصها مع جاراتها العام 2015 مثلاً. وكان نجاح شخصية الأم، وتورط المشاهدين معها عاطفياً، دافعاً لتكريس حضورها في كافة المقاطع لاحقاً. ويعود ذلك إلى بنائها الخارجي المميز، بحجابها ولهجتها الحلبية ولغتها اللاذعة وحدتها المحببة، والتي تتقاطع مع الصورة النمطية عن الأم العربية.

وما تثبته تجربة مسكون، رغم الثغرات التي تشوبها، هي الحالة الكارثية التي تعيشها الكوميديا السورية في السنوات الأخيرة. ففيما يعزو صنّاع الدراما، تدهور الكوميديا التي كانت ثابتة في الإنتاج السوري منذ ستينات القرن الماضي مع أعمال دريد لحام ونهاد قلعي، إلى أزمة إنتاجية خانقة، يفند ما يقدمه مسكون تلك الادعاءات، ويُرجع المشكلة إلى أزمة إبداعية بالأساس، حيث تتكرر الأسماء نفسها منذ عقود من أجل تكرار الدعابات ذاتها والتي ما عادت مضحكة.

وهنا يكسر مسكون الحالة المشوهة للفن السوري، ويشكل بديلاً للجمهور الراغب في متابعة منتج لطيف ضمن أجواء عائلية. والأفضل من ذلك كله، أنه يقدم الكوميديا لغرض الإضحاك فقط، وليس من أجل إيصال رسائل سياسية واجتماعية أو تقديم الكوميديا السوداء والناقدة، والتي يتم تصديرها من قبل صنّاع الدراما السورية كمعايير لما يجب أن تكون عليه الكوميديا الناجحة، بالتوازي مع متلازمة الفنان المثقف والملتزم التي أفرزتها التربية البعثية للبلاد، وحالة التسييس التي حولت الدراما كلها إلى أداة من أدوات البروباغندا الرسمية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024