عادل إمام.. على اللافتة وحيداً

أحمد ندا

الخميس 2017/05/18
في ميدان التحرير، حيث مصنع الاحتجاجات المصرية يزداد بريق اللوحات الإعلانية مع اقتراب شهر رمضان، تكبر أحجامها وتزيد أضواؤها وتتزاحم وجوه النجوم والفنانين كأنهم جميعاً قطع "كولاج" داخل إطار كبير من العمارات والسماء. على أن أكبر اللوحات حجماً وأكثرها بعدها عن بقية "الزحمة" بخلفية سوداء ووجه "منحوت" يعرفه الجميع، هو وجه عادل إمام.


يعلق أحد سائقي الأجرة على اللوحة الإعلانية الضخمة "هذه اللوحة نسميها لوحة الزعيم، كل سنة يُعلق فيها إعلان مسلسله الجديد"، ثم يكمل ضاحكاً "وكلهم شبه بعض"، لكنّ ما يقوله سائق الأجرة مَجازاً هو ما حدث هذا العام حقيقة، فالإعلان الترويجي لمسلسل إمام الجديد "عفاريت عدلي علام"، هو ذاته المستخدم العام الماضي لمسلسل "مأمون وشركاؤه"، وهو ما كشفه موقع "في الفن".

لا أحد يعرف عن التفاصيل وراء استخدام الصورة نفسها المستخدمة العام الماضي. الأهم هنا هو الدلالة التي تحملها هذه اللقطة، لأنه بقليل من التفكير لا فارق فعلياً. الأمر ليس مرتبطاً بعودة إمام إلى الدراما بعد غياب لأكثر من ثلاثة عقود (مسلسله الأول "أحلام الفتى الطائر" كان العام 1978) بل هو ثيمة وأسلوب ظل محافظاً عليه منذ أن صعد إلى القمة الجماهيرية وصار فنان الشعب الأول مع نجاح ثلاثيته (رجب- شعبان- رمضان) الكوميدية الشهيرة. عادل إمام، كما انفرد لعقود طويلة بحصد ملايين الجماهير التي تنتظر أن "يضرب كف يقتل مية وألف"، انفرد بـ"أفيشات" أفلامه معظم الوقت، وببوسترات مسرحياته ومسلسلاته مؤخراً.

ربما لا يوجد أرشيف يمكن أن يوثق تغطيات الصحافة الفنية في بدايات الألفية ونهايات التسعينيات لبوسترات إمام، لكن مع بداية عرض مسرحية عادل إمام الأخيرة "بودي غارد" توقفت الصحافة كثيراً عند هذه التي "شاركت الزعيم بوستر مسرحيته" للمرة الأولى، بالذات في المسرح حيث أن أحداً لم يشارك إمام البطولة ولم يزاحمه وجه واحد في بوسترات مسرحياته على مدى ثلاثين عاماً (شاهد ماشفش حاجة، الواد سيد الشغال، الزعيم..)، ماجعل وجود وجه جديد على البوستر الأخير حينها "خبراً صحافياً" يحمل الكثير من الأفكار والتأويل: "هل هَرِم الزعيم؟".

إحدى النكات الشهيرة عن فيلم "سلام يا صاحبي" بعدما انتشر في نهاية الثمانينيات "أفيشان" له: واحد لعادل ورفيق عمره سعيد صالح ومرافقه في بطولة الفيلم، والثاني لإمام منفرداً بوجهه غاضباً، كان يُقال: "سلام يا صاحبي وعادل لوحده، عادل صاحب نفسه". الكثير قيل ويقال من الثمانينيات، منذ أن ثبت مكانته في قلوب الناس، وما زال يقال، لكن "الزعيم"، مثل ديكتاتور عنيد لا يسمع، لا يتنازل.

ما زال عادل إمام هو الأعلى أجراً، هذا هو المقياس الوحيد "الممسوك" لقياس جماهيريته، بعدما تراجعت عنه السينما، الدراما التلفزيونية صارت ملاذه الأخير. الضجة قبل مسلسله "فرقة ناجي عطا الله" كانت كبيرة العام 2012. كان إمام ما زال في الذاكرة القريبة، واحداً من الأسماء في "القوائم السوداء" التي عادت الثورة وخوَّنت رموزها، يعود مرة أخرى، لكن من باب الدراما، الدعايات هائلة، والضجة كبيرة، وصورته تحتل الشوارع وهو يجلس على كرسي وثير يضحك.

إمام وحيداً كما اعتاد الجميع، لكنه هذه المرة "تنازل" قبل عرض المسلسل بأيام عندما ظهر بوستر وفي خلفيته "فرقته". الغمز واللمز كثر أيضاً، فقيل أنه رضي بشراكة غيره لأن ابنه واحد من أبطال العمل، لكن هذا التأويل لم يكن صحيحاً، إذ أن إمام كان يعيد تثبيت مكانته في بلد يعيش سيولة سياسية وزخماً يومياً في المجال العام، بينما هو بعيد تماماً، وربما لذلك أراد لبعض "الشباب" أن يشاركوه الكادر.

هذا "التنازل" تغير سريعاً في الأعوام التالية، فمسلسلات "العراف" و"صاحب السعادة" و"أستاذ ورئيس قسم" و"مأمون وشركاؤه" كلها شهدت إمام وهو يقف وحيداً في الميادين، وعلى الجسور، الإعلانات تملأ الشوارع، البوسترات في كل مكان لإمام وقد عاد إلى مكانه الأثير "وحيداً": زعيم عجوز لا يقبل أن يناديه أحد كذلك.

وعليه يمكن القول، أنه لا فرق إن استخدمت الصورة نفسها مرتين، لأنها لم تكن لتختلف في الواقع لو كانت صورة أخرى، وستبقى صورة لـ"الزعيم" وهو ينظر إلى جماهيره بالملامح ذاتها والتعابير ذاتها كل عام، باختلاف الملابس فقط. وكأن إعلانات مسلسلاته أشبه ما يكون بصور الرؤساء المُعمِّرين العرب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024