مونديال 2018: لا مكان للإناث!

بتول خليل

الخميس 2018/06/07
يحمل السجال الدائر في "تويتر" تحت عنوان نصائح للفتيات قبيل انطلاق مباريات كأس العالم الاسبوع المقبل، أبعاداً تجعله يتخطى الطرفة والاستظراف، إذ انه يقع في إطار اشكالية لطالما رافقت الرياضة الاكثر شعبية ومتابعة عبر العالم، وهي النظرة الذكورية للفتيات اللواتي يبدين حماسة تجاه كرة القدم، سواء أكنّ لاعبات أو مشجعات أو متابعات، وهو ما شكّل موضوعاً انطلق الجدال حوله منذ سنوات طويلة، كونه كان ولا يزال يُمثل حالة إشكالية منتشرة في كثير من البلدان العربية والعالم.

المتابع للحملة التي انطلقت ضمن هاشتاغ #نصيحة_للبنات_قبل_المونديال لم يصعب عليه رصد النفس الاستفزازي الساخر في التعليقات والردود، والذي يمكن اعتباره نتاجاً لنمط تفكير مترسخ يتعاطى مع كرة القدم على أنها لعبة ذكورية محض، وإنّ أي اهتمام تبديه الاناث من خلال تشجيعها أو مشاركتها لا يعدو كونه تدخّلاً طفيلياً طارئاً لا يليق بمستوى اللعبة وينال من قدسيتها، ويشكّل خرقاً لحصريتها، مما يستوجب، حسب فهم حاملي ومروجي هذه  الافكار، التصدي له من خلال تشكيل تكتّل ذكوري يقف في وجهه. هذا التكتل، بحسب ما أظهرت نقاشات السوشيال ميديا، يبرز مدى جهل الاناث باللعبة ويظهر سخافة وسطحية مقاربتهن وعدم فهمهن المعمق واللائق لها، خصوصاً لناحية "بلاهتهن" التي تتمثل بعدم معرفتهن لقوانين اللعبة وقواعدها وأصولها، معتبرين أنّ اهتمامهن لا يتعدى التعليق على شكل اللاعب ومدى جاذبيته.

لكن في الوقت الذي انتهز مغردون توقيت المونديال لإطلاق هذا الهاشتاغ، بغية التسلية التي ينتجها الاستهزاء من الجنس اللطيف الذي يهمّه الأمر، لا يدرك هؤلاء بأنهم أضحوا طرفاً ينخرط في التمييز الجندري بلعبة كرة القدم، الأمر الذي يُشكّل أزمة حقيقية بالنسبة لملايين النساء في أكثر من منطقة ودولة في العالم، حيث توجد الكثير من القيود الثقافية والقانونية والاجتماعية التي تُمعن في تكبيل النساء لناحية قمع مجرد التفكير في إمكانية انخراطهن باللعبة، أو تواجدهن على مدرجات ملاعبها.

وقد لا يعرف الكثيرون من الساخرين بأنّ المضايقات التي تلاقيها النساء في بعض البلدان تتصاعد لدرجة اعتقالهن وتلقيهن تهديدات بالقتل باعتبار أنّ حضورهن في الملاعب وتشجيعهن غير الانثوي يستحق قتلهن، وذلك في دول مثل أفغانستان وإيران والهند وأوغندا، وحتى بعض الدول العربية التي يتم فيها وصف المشجعات لكرة القدم بـ"السائرات على خطى الشيطان"، ما يستوجب شتمهن ولعنهن، وفي أحسن الأحوال طردهن وإرجاعهن إلى المطبخ حيث مكانهن الطبيعي الذي ينتمين إليه!

النساء وعلاقتهن بكرة القدم لطالما شكّلت محوراً لآلاف الدراسات والمقالات التي سلطت الضوء على المعايير المجتمعية التي تكرّس هيمنة الذكور على اللعبة، مقابل التمييز الكبير الذي تواجهه اللاعبات، إن كان لناحية الأجور المتدنية أو لعدم منحهن الاهتمام الاعلامي والاعلاني الذي يستحقونه، إلى جانب المشجعات اللواتي يواجهن خطر القتل او الاعتقال فيما لو قبض عليهن متلبسات بتهمة "التواجد في ملعب كرة القدم"ّ! ففي ايران على سبيل المثال،  تتعرض النساء لخطر الاعتقال في حال دخلن ملاعب كرة القدم، وذلك في قانون جرى العمل به منذ العام 1981، ليمتد ويشمل ملاعب الكرة الطائرة العام 2012.

يستمر هذا التمييز بالرغم من وجود لاعبات محترفات لكرة القدم حول العالم، أبرزن قدرات ومهارات لافتة وأثبتن جدارتهن وعلو كعبهن في اللعبة الشعبية الأولى في العالم، إذ حصلت كثيرات من اللاعبات على كؤوس وجوائز مهمة، وحققن إنجازات كبيرة في اللعبة لحظتها الـ"فيفا" ودفعت بها لإطلاق مبارات كأس العالم الخاصة بالنساء العام 1991. إلا أن التمييز الجندري والتعاطي الذكوري مع النساء في كرة القدم، دفع الـ"فيفا" للإعلان العام الماضي عن حزمة اصلاحات لتحسين إدارة اللعبة، حيث تعهدت الهيئة الدولية بوضع موضوع المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من الوصول إلى كامل حقوقها على رأس جدول الاعمال.

ولا يقتصر الأمر، بالنسبة للاتحاد العالمي لكرة القدم، على تشجيع الفتيات للانخراط في اللعبة بشكل أكبر، بل يتخطاه لجهة تسخير واستخدام قوة اللعبة وأثرها لإحداث تغييرات أعمق في المجتمعات، التي نرى في العديد منها تهميشاً للنساء والفتيات وتعرضهن للتمييز بسبب جنسهن، إذ تعتبر الـ"فيفا" أنّ رياضة كرة القدم لديها القدرة على تسليح هذه الفئة بالثقة بالنفس والتحلي بالقوة في ظل هذه الظروف القاسية، ما يفرض على أي ساخر أن يستغلّ هذه الرياضة ومناسبة المونديال لـ"التنقير" و"التجغيل" أن يفكّر مرتين بمدى سوء الموقع والطرف الذي يقحم نفسه به من خلال قيامه وتسويقه لهذا الابتذال.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024