علي الهق.. انتحر أم قُتل؟

نذير رضا

الجمعة 2020/07/03
النقاش الذي ساد مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتحار المواطن اللبناني علي الهق في شارع الحمراء، الجمعة، ينتقص الى حقيقة مثبتة بأن الهقّ لم ينتحر ترفاً، بل دُفع الى اطلاق النار على وجهه، لوضع حدّ لأزمات تفاقمت خلال الفترة الأخيرة.
 
فالنقاش دار حول "جواز" فعل الانتحار من عدمه. والى شرعية الفعل من الناحية الدينية. وانزلق الى تحليل شخصية المنتخر كشخص مستسلم، أو قادر على المواجهة، وكشخص شجاع أو جبان، هرب من أزماته الى الموت الذي جلبه على نفسه ليضَع حدّاً لها. 

لكن تلك النقاشات العقيمة، لم تبحث في الدافع. لم تتحقق من الأسباب. لم تستقصِ عن المسبب. لم تسأل عن مكان تنفيذ العملية، ورمزيتها، وتوقيتها. 

فالمواطن الهق، كان يخطط لوضع حد لحياته. يقول صديقه في اتصال عبر إذاعة صوت لبنان مع طوني هيكل، إن الهق كان يصرّ عليه ليل الخميس إطالة السهرة، وإطالة الضحك "لانو بكرا رح تسمع خبر مش منيح".

يدرك الهق ما يريده. يريد إحداث صدمة، اسوة بالبوعزيزي في تونس، أو بأي شخص آخر في العالم يريد تحريك المياه الراكدة. لم يختر الهروب. لم يختر الاستسلام. ولم ينفذ عملية انتحارية عبثية. 


فالانتحار في مركز المدينة، وسط الناس، مخترقاً زحمة شارع الحمراء وجلبتها، يريد منه إثارتهم للانتفاض، ويريد من موته محركاً لثورة خمدت ولم تستلم. صحيح انه جائع، لا يجد قوت يومه ولا قوت عياله، لكنه فكر أبعد من ذلك. فكر برمزية المكان الذي انتقل اليه محرضاً على ثورة. أراد دمه أن يكون محرضاً على الثورة ضد طبقة سياسية سمحت بمصادرة تعب الناس وجنى عمرهم، وألزمت الناس بالجوع والفقر. 

عزيزة هي الأنفس. كرامتها فوق فعل الانتحار، وفوق فعل الاستسلام، وفوق فعل الهروب. لم يشتبك الهق مع زوجته، ولا مع جاره أو أمه. لم يتعارك لأجل ميراث، ولم يرتكب فاحشة.

سجله العدلي نظيف، بإقرار السلطات الرسمية، وهو استصدره مسبقاً. وهو ليس كافراً، كما قال، إنما الجوع كافر، بحسب ما أكد قبيل إنهاء لحياته على مرأى من الناس، ليقول لهم ان الموت ليس قدراً محتوماً. وغير مسموح أن يكون قدراً. يجب أن يكون خياركم، إذا تعذرت الخيارات الأخرى، وإذا بلغ الذل نفوساً تأبى الهوان.
 

لم ينتحر الهق. بل قُتِل. قتلته سلطة لا تزال تبحث عن مخارج لأزمتها، وتتراشق بالاتهامات، وتبحث عن الحلول على الطاولات المستطيلة. 

قتلته أزمة انفجرت في وجهه، وفي وجوه نصف اللبنانيين الرازحين تحت خط الفقر. هؤلاء الذين منّ عليهم البعض بمساعدات غذائية ستنحسر مع انحسار قدرة الناس الشرائية، وتقلص القدرة على العمل. 

علي الهقّ بعث برسالة تحفيز على ثورة، لم يستجب لها إلا قلة. سالت دماؤه على أرصفة شارع الحمراء، من غير أن تلوث الجناة بما يغسل ذنوبهم، وبما يمنعهم من الصلاة. وما زال المصلون يناقشون طريقه الى الجنة أو الجحيم. وما زالوا يبحثون بجواز الصلاة على جثمانه، أو دفنه في مقابرهم. 

يسأل هؤلاء عن خيره وشره، ولا يتلون عليه صلاة الموتى، ولا دعاءها الذي يجب أن يتنصلوا فيه من الحكم: "اللهم لا نعرف عنه إلا خيراً"!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024