..ويسمّين أنفسهن نسويّات!

إيناس كمال

الأربعاء 2017/08/02
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي قبل عامين بواقعة تحرش شهيرة، لم يكن بطلها بلطجياً أو شخصاً ماراً بالشارع أو أحد هؤلاء الجهلاء عديمي الثقافة أو الأخلاق أو التربية، وهي الصفات التي يرددها المجتمع بصفة مستمرة كمبرر للتحرش، بل كان بطل الواقعة أحد القائمين على مبادرة معروفة للتصدي للتحرش بالنساء داخل مصر.
صدمة كبيرة أحدثتها الواقعة. وكان الصادم أكثر، التفاعل من قبل المؤسسة التي نفت الواقعة رغم وجود شواهد وشهود عليها من أصحاب القصة الأصليين. وقالت المؤسسة وقتها إن ما يحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي غرضه التشويه والنيل من هدف المبادرة لمكافحة التحرش.

المبادرة السابقة رغم انتشارها ميدانياً، إلا أنها إلى الآن لم تتخذ شكلاً ثابتاً، بل تُغير اسمها كلما سنحت لها الفرصة لتكون جميعها أسماء كوميدية بغرض الدفاع عن النساء اللواتي لم دافعن عن مثيلاتهن في كنفها؛ وإلى الآن لم نر نجاحاً حقيقياً ملموساً على أرض الواقع لهذه المؤسسة داخل الميادين والشوارع إلا في المناسبات العامة فقط.

***

مساء أحد الأيام الشتوية، تجمع رواد المقهى على صوت ضرب وسباب، كان رجلاً يعنف زوجته ويضربها بقسوة شديدة. ورغم عدم تدخل الناس، أو لعلهم بالكاد حاولوا تخفيف حدة الضرب بتهدئة الرجل، إلا أن الجهود لم تفلح، وبالغ هو في تهديدها إذا حاولت تقديم شكوى إلى الشرطة. فالناشط الحقوقي المعروف الذي يقوم بالفعل، لم يستمع للناس، علماً أنه ينادي ليل نهار بحقوق النساء ووجوب دعمهن في كافة المؤتمرات والمحافل.

***

وقف الناشط الحقوقي اليساري وصاحب الرأي على منبره، يخطب من أجل تعديل قانون الأحوال الشخصية في مصر من أجل أن يعطي مزيداً من الحرية للنساء ويقلل من فرص استغلالهن من قبل أزواجهن وليحفظ حقوقهن في الزواج والطلاق.

ينزل الناشط والذي يعمل مسؤولاً إعلامياً في إحدى المؤسسات النسوية، عن منبره، ليلقى طليقته بعد ساعات قليلة، ناهراً إياها بسبب ملابسها الضيقة ومهدداً بأخذ طفله منها، وإنهاء حضانتها له. وبدا انه يستغل إحدى مشكلاتها لأنها فكرت بتغيير مسكنها الملاصق لمنزل عائلتها، إلى منزل آخر يكون بالقرب من مكان عملها، بدلاً من تضييع ساعات في الطريق صباحاً ومساء، الأمر الذي يجعلها تتأخر عن طفلها الذي ضمته إلى حضانتها بعد طلاقها من الناشط "إياه".

***

تقترب الفتاة العشرينية ذات الملامح الشقية من صديقتها، وتستدرجها لمعرفة أسرارها بدعوى الفضفض، فتخبرها بعلاقتها بشاب، وأن العلاقة تطورت إلى بُعد جنسي غير مألوف. تسجل الصديقة الأولى للثانية حديثها، وتصوّر عبر كاميرا هاتفها صديقتها في وضع مخلّ وتهددها بفضحها مقابل مبلغ من المال.

ورغم أن الصديقة الأولى، إحدى المناديات بحقوق المرأة وضرورة أن يحترم المجتمع حريتهن، وألا يفرض قيوده عليهن ولا يعاقبهن لمجرد اختياراتهن، إلا أنها تفعل العكس مع صديقتها.

***

بتردد وخوف ترفض الناشطة الثورية المنتمية إلى إحدى الحركات الشبابية المنادية بالعدالة والحرية، مساعدة زميلة لها تعرضت للتحرش في واقعة شهيرة، وتحججت الأولى بمثل ما يبرر به المجتمع التحرش للجاني ويتهم الضحية. وقالت إن الثانية ربما كاذبة، وربما هي من أن أرادت الأمر، وأنها لا تعرفها حتى تساعدها، وكأن الحقوق تحتاج إلى معرفة صاحب الحق حتى ينال المساعدة العظيمة.

***

فروق واضحة وجوهرية بينتها الأمثلة السابقة والتي هي غيض من فيض، بشأن الناشطين والناشطات النسويين. لا أنكر وجوده قبل ذلك، فالعشرات من المبادرات والبرامج التوعوية النسوية الرسمية وغير الرسمية، تقوم بها الحكومة والمجتمع المدني على حد سواء منذ خمسينات القرن الماضي، وعلى أيدي نسويات أمثال لطيفة الزيات ونوال السعداوي ودرية شفيق وملك حفني ناصف وغيرهن العشرات.

زواج عرفي، زنا محارم، أطفال مجهولو النسب، طلاق، خلع، تحرش، اغتصاب وغيرها العشرات من القضايا التي يجاهد المجتمع الحقوقي في مصر بصفة عامة والنسوي بصفة خاصة منذ عشرات السنوات من أجل الحصول فيها على حق المساواة بين الجنسين، بما يدعم مفهوم العدالة الذي تنادي به كافة الأعراف والمواثيق الدولية. لكن هذه الأعراف تصطدم مع الأعراف التقليدية الداخلية في مصر والتي يعزوها البعض إلى الدين؛ رغم التأويلات الدينية لشيوخ تنويرين، بدءاً من الإمام محمد عبده حتى يومنا هذا.

ولأن مصطلح "الفيمنست" بات منتشراً على الألسنة، حتى أصبح كل "من هب ودب" يطلقه على نفسه، وجب التعريف أولاً بأن النسوية هي مجموعة مختلفة من النظريات الاجتماعية، والحركات السياسية، والفلسفات تحركها دوافع متعلقة بقضايا المرأة. يتفق النسويون والنسويات على أن الهدف النهائي هو القضاء على أشكال القهر المتصل بالنوع الجنسي، ليسمح المجتمع للجميع، نساءً ورجالاً، بالنمو والمشاركة في المجتمع بأمان وحرية. ومعظم النسويين مهتمون بشكل خاص بقضايا عدم المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال.

الناشط النسوي أو "الفيمنست" وبحسب التعريف الدولي، هو ذلك الشخص المهتم بالحقوق والحريات والذي يتبع إحدى الحركات التي تنادي بهذا الأمر أو يمتلك أحد المشاريع التي تحقق ذلك، وبينما كانت غالبية النماذج السابقة لأشخاص فاعلين ومرتبطين بالعمل النسوي، فإن الفارق كبير بين أن تكون النسوية وظيفة وبين أن تكون قضية يكافح المؤمن بها من أجلها.

وباتت الفروق واضحة بين الناشط النسوي الحقيقي والمزيف. فالأول لا تتغير مبادئه وثوابته عن حقوق النساء، مهما تغيرت المواقف. أما بعض الناشطات فهن نسويات "فقط" إلى حين ظهور عريس أو مصالح أخرى من خلف النضال كالحصول على التمويل والسفريات المتعددة. فالنسوية ليست أن النضال لقضية ما صباحاً، ثم رفضها ليلاً، كالاغتصاب الزوجي مثلاً، ولا أن تطالب النساء بمكافحة التحرش بينما تعجز هي عن صده.

بات البعض يحمّل النسوية ما لا تحتمل، كأن يلصق أفكاره الخاصة حول عزوف الفتيات عن الزواج بسبب الفيمنست وموجاتها، وكأن يكون رفض النساء لمساعدة أزواجهن بسببها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024