ماذا لو.. مارست ألمانيا التعذيب في السجون؟

وليد بركسية

الجمعة 2020/08/21
يقدم مشروع "ماذا لو" القائم على فيديوهات أنيميشن قصيرة، سلسلة سيناريوهات مفترضة  تغوص في صميم العلاقة التي تربط بين النخب السياسية والمدنيين، وطبيعة العقد الاجتماعي ملخصاً بالدستور في ألمانيا، في محاولة لتخيل مصير الدولة الأوروبية التي تتصدر كثيراً من المؤشرات العالمية، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي بل أيضاً من ناحية حقوق الإنسان، في حال كانت أقرب إلى دول الشرق الأوسط الدكتاتورية المظلمة التي لا تطبق فيها القوانين ويحكمها منطق فائض القوة، ضمن عقد اجتماعي مشوه.

أشرف على المشروع المبتكر، الصحافي السوري مصطفى الدباس المقيم في العاصمة الألمانية برلين منذ العام 2015. وبدأ العمل فيه العام الماضي بالتزامن مع الذكرى السبعين لإطلاق الدستور الألماني بشكله الحالي، عبر تحويل مواده الجامدة إلى قصص وحكايات بسيطة بأسلوب أقرب لمجلات الكوميكس، يتم فيها استعراض مواقف من الحياة اليومية وعلاقة هذه التفاصيل بالدستور وقيم الديموقراطية في البلاد.

وقال الدباس في حديث مع "المدن" أن كل حكاية إلى تنقسم شقين اثنين، يدور الأول في عالم يسوده القانون، والآخر في عالم مواز يغيب عنه، بشكل مشابه للدول التي تحكمها الدكتاتوريات بأشكالها المختلفة، في الشرق الأوسط على سبيل المثال. وهو السبب الذي يجعل الجمهور المستهدف من المشروع فئات اللاجئين والمهاجرين الموجودين في ألمانيا، "للتوعية بأهمية وجود الدستور ومؤسسات الدولة التي تحرص على تطبيق هذا الدستور بحذافيره، وللتوعية بحقوق الفرد وواجباته". وتستعرض الحكايا الحالة المثالية لوجود الدستور، من دون وجود أي خرق له سواء من قبل مؤسسات الدولة أو من المجتمع المحلي.

واللافت في المشروع أن الجهد المبذول فيه، يتخطى الرسم والتحريك وكتابة القصص والمونتاج والتصوير، نحو الترجمة إلى 7 لغات هي العربية والفارسية والباشتو والتركية والفرنسية والألمانية والانجليزية. ويتم طرح الحلقات عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لمشروع "هاند بوك جيرماني"، وهو منصة معلومات خاصة باللاجئين والمهاجرين في البلاد، ضمن مؤسسة "صناع الإعلام الجديد" التي تهتم بتطوير محتوى إعلامي عصري، ويعمل منذ نحو أربع سنوات على تقديم المعلومات للاجئين حول الحياة في ألمانيا، من جوانب مختلفة، بلغات متعددة، من بينها العربية التي يشكل المتحدثون بها الجزء الأكبر من الجمهور، عطفاً على موجة اللاجئين التي وصلت إلى البلاد بعد العام 2015.


ويضم المشروع حالياً 7 حلقات تتناول 6 منها مواد أساسية في الدستور الألماني، تتعلق بكرامة الإنسان وحقوق الحرية والمساواة وحرية الرأي وحرية الاعتقاد وحق اللجوء السياسي، بالإضافة إلى الحلقة صفر التي كانت أشبه بمقدمة تاريخية عن الدستور الألماني وكيف تمت صياغته وكيف يتم تعديله وفق طريقة معقدة، حيث يجب أن تحظى التعديلات بغالبية الثلثين على الأقل في كل من البرلمان و"مجلس الولايات"، علماً أن الدستور خضع للتعديل 62 مرة، وخصوصاً في مواد تتعلق بتكامل جمهورية ألمانيا الاتحادية مع الغرب والاندماج الأوروبي وعودة الوحدة الألمانية، والمادة المتعلقة بحق اللجوء.

والدباس، بصفته المخرج الإبداعي للعمل، هو المسؤول عن الشكل النهائي لكل حلقة والتواصل مع كل فرق العمل: "بعد أن أقوم بكتابة السيناريو وتدقيقه مع المحامي المسؤول عن تأكيد صحة الحكايات والصيغ القانونية، أقوم بإرسال النص إلى الفنان المسؤول عن الرسوم والذي يعمل مع فريقه Syria Mate في دمشق، ثم أقوم بوضع شرح للشخصيات الرئيسية والفرعية، والأماكن التي تجري فيها القصة، بالإضافة إلى الأمور الجانبية المتعلق باللباس، خضوضاَ عندما يكون هناك لباس رسمي للشرطة أو مسؤولي الدولة".

وبعد الانتهاء من مرحلة الرسم والتحريك، يتم تسجيل صوت الراوي بسبع لغات، بالتعاون مع محرري موقع "هاندبوك جيرماني"، وفي هذه المرحلة يكون الفنان المسؤول عن الرسم قد بدأ عملية التلوين، وبعد الانتهاء من الحلقة، يضيف مصمم الصوت الموسيقى والمؤثرات الصوتية بشكل يتوافق مع تصاعد الحلقة حتى الوصول إلى الذروة ثم الحل. وبعدها تبدأ عملية المونتاج بإضافة كل صوت الراوية بلغات مختلفة، بالتنسيق مع محرر كل لغة بالإضافة إلى فقاعات الحوار التي تخرج من الشخصيات. وفي النهاية تتم إضافة الخيارات لكل نهاية كي تكون تفاعلية، وهي خاصية متوفرة في "يوتيوب"، وتتطلب تصميم الحلقة بشكل يسهل هذه العملية.

يحيل المشروع ككل إلى نقاش مواز حول الدساتير في المنطقة العربية، فالبعض في سوريا على سبيل المثال يقول أنه لو تم تطبيق الدستور الحالي من قبل نظام الأسد لكانت البلاد بخير، فيما بات آخرون، ومن بينهم جهات دولية، يختزلون الحل السياسي في البلاد بصياغة دستور جديد. بينما يشير طرف ثالث إلى حقيقة أن دساتير الدول العربية عموماً تعتبر مشكلة بحد ذاتها، من ناحية أنها تستند على الدين الإسلامي كمصدر للتشريع، حتى لو كنت الأنظمة السياسية الحاكمة تدعي العلمانية، مثلما هو الحال في تونس أو مصر.


ولعل الحالة الألمانية قد تكون مثالية لعقد مثل هذه المقارنة، لأنو الدستور بشكله الحالي، وضع بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهاء حقبة النازية. وحينها اختلفت القوى المنتصرة بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على البلاد، ومن أجل التعجيل في تنفيذ خططهم الرامية إلى تأسيس دولة في الجزء الغربي في ظل رعايتهم العسكرية، عمد حكام الأقاليم الغربية من دول الحلفاء إلى منح رؤساء الوزراء الألمان في الغرب صلاحيات تتضمن مهمات محددة، اشتهرت فيما بعد باسم "وثائق فرانكفورت"، ونصت الوثيقة الأولى والأهم على تنظيم اجتماع يتمخض عن الدعوة إلى وضع دستور فيدرالي ديموقراطي، وهو ما حدث العام 1984.

علق الدباس: "نحن نعلم أن الكثير من مواد الدستور في البلدان العربية هي في الحقيقة دساتير جيدة، لكن تطبيقها من قبل مؤسسات الدولة سواء كانت عناصر الشرطة أو المخابرات أو المحاكم، هو المشكلة. ولا قيمة للدستور حتى لو كان أفضل الدساتير في العالم، في ظل وجود نظام ديكتاتوري"، مضيفاً أنه حتى لو تم استيراد الدستور الألماني لتطبيقه في سوريا، بشكل افتراضي، سيكون من الصعب الوصول إلى نتيجة مرضية، لأن "المشكلة تكمن في أن المسؤولين عن تطبيق القوانين والأنظمة ليس لديهم قناعة بأن الأفراد يجب أن يكونوا أحراراً. ولو كانت عقلية النظام منفتحة على الحرية والمساواة والديموقراطية، لما قامت الثورة في سوريا أصلاً".

ومن ناحية أخرى، أوضح الدباس أن الكثير من الأمور المتعلقة بالحريات الشخصية غير مقبولة دينياً، في مجتمعات الشرق الأوسط، خصوصاً ما يتعلق بحرية المعتقد أو حرية الميول الجنسية. وتتعقد الأمور لأن مثل هذه التفاصيل محرمة مجتمعياً وقانونياً "فالدستور السوري يجرم المثلية"، وبالقياس فإن ألمانيا ليست دولة متحررة بالمعنى الكامل، ويعني ذلك أن المثلية الجنسية، كمثال للمقارنة، ليست مقبولة اجتماعياً في كثير من المناطق الريفية والبيئات المسيحية المحافظة، إلا أن وجود الدستور الألماني بشكله الحالي وتطبيق القانون، يكفل للأفراد حرياتهم.

وبحسب الدباس فإن تطبيق القانون أو الدستور في ألمانيا ليس مثالياً، فهنالك كثير من الخروقات التي تحدث هنا وهناك، سواء في سلك الشرطة الذي يواجه اتهامات بممارسة العنصرية ضد الأفراد من خلفيات مهاجرة، أو في أمكان العمل من قبل أرباب العمل، إلى درجة إثارة هذه المواضيع من قبل برلمانيين ألمان، "والمهم هنا هو وجود القانون الذي يحمي الفرد من هذه الممارسات، وعليه فإن أي شخص يشعر بأنه تعرض لممارسات عنصرية أو بانتهاك لأحد حقوقه، يستطيع توكيل محام لرفع دعوى قضائية، وإذا كان محقاً سيحصل على حقه في النهاية، وهنا تكمن النقطة المهمة الغائبة في الدول العربية، حيث لايوجد فرصة لدى المواطن للاعتراض على أي شيء طالما أن مؤسسات الدولة تقوم به. وخصوصاً فيما يتعلق بالاعتقال والتعذيب، الذي يندرج تحت بند صون كرامة الأنسان في المادة الأولى من الدستور الألماني".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024