لبنان في أزمة نظام.. والصيغ الثلاث المقترحة

نذير رضا

الثلاثاء 2020/09/22
لم يكن ميشال عون، منذ وصوله الى رئاسة الجمهورية، أكثر صراحة مما قاله في المؤتمر الصحافي الذي عقده في قصر بعبدا، الإثنين. "نحتاج الى عجيبة"، وفي حال فشلت مبادرته لتشكيل الحكومة، "رايحين على جهنم"، أما المال في مصرف لبنان، فقد شارف على النفاد. 

غير أن الرهان على مبادرته، يبدو ضرباً من الخيال. فما لم يقله عون، أن لبنان لا يعاني أزمة حكم فحسب، بل يعاني أزمة نظام. هو النظام الذي خضع لصيانة في اتفاق الدوحة 2008، وتم فيه انعاشه لمدة 12 عاماً. لكنه انتكس أخيراً.

تُجمع وسائل الاعلام على أن النظام يحتضر. وفي مواقف الشبكات الاجتماعية، تنحسر الدعوات لتطوير النظام في اتجاه دولة غير طائفية. لاذ كثر بطوائفهم، وتفعّلت مشاعر التمذهب مرة أخرى، عندما بدأت أزمة الحكم. سياسيون تعمقوا في مذهبيتهم، وإعلاميون بارزون عادوا مربعاً الى الخلف الى حضن الطائفة. وأفراد وجماعات لم يترددوا في البوح برغبتهم بالقوقعة، مقابل رغبات سابقة بنسف نظام المحاصصة والزبائنية. 

والحال إن الأزمة الحالية كشفت أن قسماً كبيراً من الدعوات للخروج من عباءة الطائفية، كانت تنطوي على تكاذب. جرى التسويق للبنان غير طائفي عندما كان زعماء الطوائف متوافقون. وحين انكسر الاتفاق على التهام الدولة ومقدراتها، إثر نفادها، عاد هؤلاء الى محميات طائفية. الكثير من اللبنانيين ما زال يرى في الطائفة حامية له، وامتيازاً لالتهام الدولة. دولة الآخر، كل من منظاره، التي نأكلها قبل أن يأكلها الآخرون. 

هذه الوقائع، كشفت أن النظام الحالي، بصيغته التوافقية القائمة على المناصفة، لم تعد تلبي طموحات المذهبيين. وعليه، لم يعد أمام النظام سوى حلّين: نسف الصيغة بإقرار الدولة المدنية، أو تعديل الصيغة بالمثالثة. ومن دونها لن يكون هناك أي تطوير. على العكس، سنعود مئة سنة الى الوراء. الى زمن المتصرفية، والحماية الدولية، بنسخة منقحة. 

عندما طرح الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، فكرة التوصّل الى عقد سياسي جديد، كان يدرك عمق الأزمة التي يعيشها لبنان، وأنه لا مكان فيها لإبقاء الأمر على ما هو عليه. الديموغرافيا لاعب بارز لا يمكن تخطيه. والجغرافيا التي طُعنت في التمدد الديموغرافي، أفعل من أي قدرة على احتوائها. ولم تنفع كل التدابير لمحاصرة الاختلاط والتمدد، الا نادراً، في بلدية الحدت مثلاً أو سواها في الجبل.

أي طرح سياسي للتغيير، سيكون على حساب المسيحيين. فالدولة المدنية ستطيح امتيازات المسيحيين التي وفرتها صيغة المناصفة في اتفاق الطائف. والمثالثة، ستنال من حجم الامتيازات والمواقع، ويتضرر المسيحيون أكثر من السنّة. يدرك المسيحيون ذلك، وهو ما يدفعهم الى طروحات اللامركزية الموسعة التي تقلص نفوذ السلطة المركزية، وتوفر ضمانات على قاعدة ما لنا لنا، وما لهم لهم.

غير أن طروحات مشابهة، يدفع باتجاهها أساساً حزبا "القوات" و"الكتائب"، تعني استعادة نظام المتصرفية بصيغة معاصرة، كبديل من النظام القائم. هو الطرح الأكثر عملية لإخراج المسيحيين من هاجسي "صخرة طانيوس": أي الهجرة أو الثورة. وهو الطرح الأكثر واقعية لحماية امتيازات، ستكشف لاحقاً نموذجي "ألمانيا الشرقية" و"ألمانيا الغربية" في الداخل اللبناني. 

صيغة لبنان الحالية فشلت. ستحتاج الى "سان كلو" جديد، أسوة بمؤتمر "سان كلو" في العام 2007 في فرنسا، قبل اشتعال المدافع أو إطلاق الرصاص. من دونه، سيتجه الجميع الى مكان آخر، تحت وابل الرصاص، الى "دوحة" جديد، أسوة باجتماع الدوحة في 2008 بعد أحداث 7 أيار. فالخروج بتسوية تحت مظلة السِّلم، أفضل بكثير من تسوية تحت نار البنادق. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024