إسرائيل تُراقب "أم هارون": "اليهود الشرقيون" لاجئون؟

أدهم مناصرة

الثلاثاء 2020/05/12
انتهزت صفحات إسرائيلية رسمية "دعائية" في السوشال ميديا الفرصة لتغذية النقاش العربي المحتدم إزاء المسلسل الخليجي "أم هارون"، عبر الدخول على خط المُناكفة وانتهاج دور "المُناصِر" للمسلسل بوصفه "واقعياً" في مقابل المنتقدين الغاضبين.. 
بمجرد أن تتحول إسرائيل إلى "عُمق الجدل العربي" بشأن شرعيتها من عدمه، هو الإنتصار والاختراق بحد ذاته.

اللافت، أن هذه الصفحات الإسرائيلية ركزت على جدليات التطبيع الذي يُتهم المسلسل الدرامي بتشجيعه- ضمناً- دونما الخوض كثيراً بمقاصد المسلسل ورسائله بشأن ظروف اليهود العرب في تلك الحقبة التاريخية ومدى تناغمها وانسجامها مع "زبدة" الدعاية الصهيونية، والقائلة إن "يهود الدول العربية خرجوا قسراً منها اتجاه اسرائيل لا طوعاً".. فطرحتهم كـ"لاجئين خسروا ممتلكاتهم وأرضهم".

لكنّ صفحة "إسرائيل بالعربية" في فايسبوك، حاولت أن تستغلّ هذه النقطة حينما أيدت مقالاً للمدير العام لقناتي "العربية" و"الحدث" ممدوح المهيني. ووضعت الصفحة الإسرائيلية تساؤلاً انتهازياً مفاده "لماذا يثير مسلسل (أم هارون) على قناة (إم بي سي) اتهامات بالعمالة والتطبيع؟"..

الواقع، أن الصفحة التي تديرها الخارجية الإسرائيلية، ركزت على جملة "عامّة" وردت في مقال ممدوح المهيني، ولم يوضحها الأخير بشكل كافٍ، وهي "لم تجد في المقابل إلا هذه الطوائف والأديان لتوجه لها تهم العمالة والخيانة، ما أدى لتهجيرها بعد موجات من الاضطهاد المستمر".

وجدت "إسرائيل بالعربية" في فايسبوك ضالتها في هذه الجملة، فاقتبستها ووضعتها في مستطيل المنشور الفايسبوكي، كمحاولة بائسة منها لأن تُجيّر معنى تلك الجملة في المقال المذكور بموازاة استغلال المسلسل الدرامي المثير للجدل، بطريقة تؤكد ما جاءت به الدعاية الصهيونية بشأن خروج اليهود من الدول العربية قبل عقود "مُهجّرين" لا "مُهاجرين".. "مُضطرّين" لا "مُخيّرين".

مع العلم أن بعض المؤرخين من اليهود العرب، نفوا في كتاباتهم على مر السنوات الماضية التفسير المُطلق عن خروجهم "قسراً" من دول عربية، وقد تحدثوا بـ"نسبية" عن ظروفهم في تلك المرحلة، وأن لكل فئة منهم أسبابها لمغادرة هذه الدول باتجاه إسرائيل.. وأكد هؤلاء أن "اليهود في الدول العربية تعرضوا كما المسلمين والمسيحيين لمظلومية بسبب ممارسات الأنظمة في تلك الحقبة.. فالأمر لم يكن موجهاً إليهم كأقلية يهودية". 

وسردوا ذكرياتهم الجميلة وعلاقاتهم مع مختلف مكونات الشعب العراقي آنذاك، وقبل خروجهم إلى إسرائيل لأسباب مختلفة، بينها البحث عن "مستقبل أفضل"، بعد إغرائهم بالامتيازات من قبل الحركة الصهيونية لترك موطنهم الأصلي.

إذاً، حكاية إسرائيل مع المسلسل المذكور أعمق من الجدل الذي عنوانه الظاهري هو "التطبيع".. فهي تراقب حلقات "ام هارون" بعناية كي تعرف "ماذا يقول عن حال وواقع اليهود خلال أربعينيات القرن الماضي في الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً؟.. وإلى أي درجة ينسجم مع "البروبوغندا" الصهيونية حول خروج اليهود من الدول العربية التي كانوا يقيمون فيها باتجاه الاراضي المحتلة؟".

الحال، أن تل أبيب وظفت حتى اللحظة الجدل حيال مسلسل "ام هارون" من الزاوية التطبيعية، في الوقت الذي حاولت فيه أن تطمس أي تعليق أو رأي من جهتها إزاء ما قاله المسلسل حيال اليهود العرب في ذلك الزمن.. لقد خشيت دولة الإحتلال أنها في حال أثارت تعليقاً أو نقداً معيناً بهذا الجانب أن تُفسد "الجدل الحاد بين العرب على السوشيال ميديا".

وسعت إسرائيل خلال جولات التفاوض السرية مع الجانب الفلسطيني برعاية أميركية خلال ولاية الرئيس السابق باراك اوباما، إلى مقايضة تسوية قضية اللاجئين الفلسطينيين باليهود العرب من خلال طرحهم هم الآخرون كـ"لاجئين" وأنهم بحاجة إلى تعويض أيضاً؛ علّها تحقق من وراء ذلك غاية مزودجة؛ الأولى، ابتزاز الدول العربية والحصول على تعويض منها.. وأما الثانية، استبعاد عودة اللاجئين الفلسطينيين، عبر القول "واحدة بواحدة".

لا شك أن  "حساسية" المسلسل الكويتي عن حياة اليهود وواقعهم الاجتماعي قبل عقود، تتجاوز النقاش الجدلي التقليدي بين العرب في السنوات الاخيرة، إلى مسألة "توقيت ومكان البث".. إن المسلسل يُبث بعد ما يزيد عن سنة من نشر التلفزيون الإسرائيلي تقريراً حول قيام إسرائيل للمرة الأولى، بتقديم تقدير رسمي لقيمة "الممتلكات اليهودية المفقودة" في الدول العربية .

التقرير التلفزيوني الإسرائيلي قدّر المبلغ بأكثر من 50 مليار دولار في تونس وليبيا، ثم تم بعد ذلك تقديم إجمالي التقديرات في الدول العربية بمبلغ 250 مليار دولار.. ولم يكن عبثاً أن يتم نشر هذه التقديرات وقتها بينما كانت الإدارة الأمريكية منشغلة بهندسة "صفقة القرن" لتسويقها كصفقة سلام شاملة بين إسرائيل والدول العربية، وليس فقط الفلسطينيين.

واستعرض المستشرق اليهودي يارون فريدمان في مقاله بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، جوانب الاعتراض من قبل الغاضبين على مسلسل "ام هارون"، معتبراً أن "العاصفة الإسرائيلية تجتاح المسلسلات العربية في رمضان". 

وفصّل يارون فريدمان أخطاء فنية وتاريخية أثارت غضب منتقدي المسلسل، من قبيل "تقديم اللغة العبرية كلغة مكتوبة من اليسار لليمين، رغم أنها تكتب بالعكس، واعتبار احتلال القدس بأنه وقع في 1948 بدلاً من 1967، وتقديم الكويت كدولة تعيش فيها جالية يهودية كبيرة، رغم أنه لم يكن لدى دول الخليج سوى مجتمعات يهودية صغيرة، مقارنة بأجزاء أخرى من العالم العربي".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024