محاولة الاغتيال في كولومبيا: إسرائيل تتجنّب "حزب الله"

أدهم مناصرة

الجمعة 2021/11/19
"فيلق القدس الإيراني هو وراء محاولة اغتيال شخصية إسرائيلية في كولومبيا، وليس حزب الله".. هذه خلاصة تقرير نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، وأثار الاستغراب في ما يخص الغاية مِن "تصحيح" الصحيفة العبرية لمضمون اتهام ورد على لسان وزير الدفاع الكولومبي قبل أسبوع.

وكان وزير الدفاع الكولومبي أعلن في وقت سابق عن تورط عنصرين من "حزب الله" في محاولة اغتيال رجل أعمال إسرائيلي، كان عميلاً سابقاً في جهاز "الموساد"، وتربطه الآن علاقات دبلوماسية بمستويات مختلفة. وأشار إلى أنه تم إحباط العملية واعتقال الشخصين قبل أن يتم ترحيلهما.

اللافت، أن كاتب التقرير داميان باتشر، مراسل الشؤون الدولية لـ"إسرائيل اليوم"، قد روج للمعلومة كـ"سبق" حصل عليه من مصدر موثوق. لكن، ما وراء التقرير في هذا التوقيت؟ وماذا يفيد إسرائيل أن تُفرّق بين حزب الله والحرس الثوري الإيراني، ثم تسرّب النبأ للإعلام العبري، لتتناقله وسائل إعلام عربية ودولية؟

بالرغم من أنّ الصحافي داميان باتشر، لم يُبرئ حزب الله من عمليات سابقة في الخارج لاسيما في أميركا اللاتينية ودول أخرى، بموازاة استذكار عمليات تتهم تل ابيب الحزب بالضلوع بها، إلا أنه، في هذه الواقعة تحديداً، أشار إلى أن المعلومات التي حصلت عليها "إسرائيل اليوم"، تظهر أن وراء الحادث الأمني على أراضي بوغوتا هو "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، وتحديداً إيران، وليس حزب الله كما ورد في البداية، في إطار الردّ على اغتيال العالم الإيراني محسن زادة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ويبدو ان اسرائيل تحاذر "حزب الله" في هذا الوقت وتوجه وسائلها الاعلامية باتجاه ايران، وذلك بموازاة اتجاهات لاستئناف المفاوضات الايرانية – الاميركية حول الملف النووي، ليُضاف ملف كولومبيا الى ملفات أخرى تتراكم في وجه المفاوضات المزمعة. 

وتنوعت طريقة التفاعل الإسرائيلي وطبيعته مع "سبق إسرائيل اليوم"، سواء في السوشيال ميديا، أو وسائل الإعلام التقليدية (المرئية والمسموعة والمكتوبة).. وحاول إسرائيليون وبعض وسائل الإعلام العبري، التعامل معه بجدية، بينما اتسم تفاعل قسم آخر ببرودة واضحة، مِن منطلق "أن التفريق لا يعني شيئاً".  

ورصدت "المدن" تعليقات إسرائيلية في "فايسبوك" و"تويتر"، على التقرير المنشور، من بينها: "محاولة اغتيال، محاولة إرهابية.. لماذا القضاء؟". وعلقت تغريدة أخرى، قائلة: "السبب من وراء القضية: إعادة طباعة التحولات الثورية".

وبينما أشاد المراسل الإسرائيلي لقناة TV2 الدنماركية بتقرير زميله داميان باتشر، عبر إعادة نشره على صفحته في تويتر ووصفه بـ"سكوب"، قلل الصحافي الإسرائيلي، مِن أصل لبناني، ايدي كوهين، من قيمة رد الفعل إزاء التقرير، قائلاً "إنه جاء فقط في إطار تنويهي، لتصحيح قول الوزير الكولومبي، بأنّ الحرس الثوري الإيراني هو المسؤول المباشر عن محاولة الإغتيال.. بالتالي، لا يحتمل كثيراً من التأويل".

وزعم كوهين، في حديث إذاعي، أنّه لا شيء مقصوداً أو مُوجّهاً من وراء بث التقرير، وإنما كان مجرد توضيح، بأن ما قاله الوزير الكولومبي قبل أسبوع، ليس دقيقاً. وتابع: "في النهاية، حزب الله والحرس الثوري كلاهما مثل بعضهما، لكن الحزب لا يستطيع أن يُدخل أسلحة إلى الدول إلا من خلال سفارة دولة هي إيران، ولا ينفذ أي عملية خارجية أو داخلية، إلا بمساعدة الحرس الثوري.. قوة الحزب أن وراءه دولة هي إيران".

لكنّ قراءات إسرائيلية أخرى، تعتقد أن ما وراء التفريق بين إسرائيل وحزب الله في هذا التوقيت بخصوص مخطط الإغتيال، هو "شيطنة إيران"، بالتزامن مع حوار أميركي-إسرائيلي حول سبل العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني. بينما اعتبر أستاذ دراسات الشرق في جامعة "تل أبيب"، إيال زيسر، أنه بالرغم من أن حزب الله يعمل بأوامر من الحرس الثوري، إلا أن نشر صحيفة "إسرائيل اليوم" عن ضلوع "فيلق القدس" الإيراني بمحاولة الإغتيال، لا حزب الله، هو إقرار إسرائيلي بأن النزاع مع إيران بات مُباشراً، وليس عبر وسطاء أو وكلاء، أي دخل مرحلة جديدة.

وهناك من اعتبر تقرير داميان باتشر، بأنه بمثابة مسعى إسرائيلي للفصل بين الجبهات، وعدم الدفع بتوتير الجبهة الشمالية، عبر القول للحزب "نحن نبرؤك من الهجوم، فلا داعي لأي خطوات يمكن أن تدفع للتصعيد"، خصوصاً مع حديث تل ابيب عن تحسن نسبي في الأمن القومي، نتيجة تراجع المخاطر مع الجبهة السورية أو اللبنانية.. وربما، هذه غاية إضافية، دفعت جهات أمنية إسرائيلية لتسريب النبأ للإعلام؛ بغية البعث بـ"رسالة طمأنة" للحزب.

أما الباحثين الاستراتيجيين في إسرائيل، والذين عملوا سابقاً في جهاز الإستخبارات، فقد فسروا التباين بين اتهام الوزير الكولومبي لحزب الله في بادئ الأمر، ومن ثم تبرئته من إسرائيل واتهام إيران مباشرة، قائلين لنشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية العبرية إنه "تم اعتقال لبنانيين إلى جانب آخرين بتهمة محاولة تنفيذ مخطط الإغتيال، وهو ما دفع إلى الإعتقاد، في بادئ الأمر، أنهم مُرسلون من حزب الله..ولكن، لمّا تبين، من خلال التحقيق، أنهم مُرسلون من فيلق القدس الإيراني، تم تعديل المعلومة". 

بيدَ أن تفسيرهم ينطوي على حالة من عدم اليقين؛ لأن حديث الوزير الكولومبي عن مسؤولية حزب الله، كان قبل أيام، بينما حدثت الواقعة قبل أسابيع قليلة، كما يُشاع.. وهو ما يعني أن الفارق الزمني بين إعلان الوزير وساعة صفر لإحباط المخطط، كان كافياً للإدلاء بتصريح "دقيق"، لا مُجرّد انطباع أو تخمين.

الواقع، أنّ انتقال صحيفة "إسرائيل اليوم"، في تقريرها، من الأمن إلى استعراض التطورات السياسية بشأن الملف النووي الإيراني، قد أعطى إشارة ضمنية بأن إسرائيل تبذل جهوداً دعائية وسياسية؛ لعرقلة التعجيل الدولي في تخفيض العقوبات عن إيران، وكذلك زعزعة الثقة الدولية بإيران، بهدف إبطاء الوتيرة نحو استئناف المفاوضات النووية. وهو ما يدفع إلى الإفتراض بأن تقرير "إسرائيل اليوم" الذي يُدين إيران مباشرة بمحاولة الإغتيال، يندرج في سياق بعثرة الأوراق.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024