#لو_أنا_رئيس_سوريا: إحباط وسخرية.. ولا أمل

وليد بركسية

الجمعة 2018/11/16
لا يعبّر السوريون في هاشتاغ #لو_أنا_رئيس_سوريا عن أفكار واقعية مقتنعة بالتغيير السياسي. فالهاشتاغ المتداول على نطاق واسع، منذ يومين، يبدو تعبيراً صادقاً عن مرحلة جديدة بعد انكسار الثورة السورية وانحسار المعارضة سياسياً وعسكرياً لصالح النظام وحلفائه. إذ يعود النشاط المعارض للتعبير عن الأمنيات، مثلما كان عليه الحال في المحادثات الشخصية الخافتة هنا وهناك قبل العام 2011.


وفي التساؤل الذي أطلقته صفحات معارضة، عن أولى القرارات التي سيتخذها السوريون في حال وصولهم لمنصب رئاسة الجهورية، يغيب أي ذكر لرحيل مرتقب لرئيس النظام بشار الأسد عن السلطة، وكأن هنالك تسليماً ببقائه حسب الطروحات السياسية الحالية، مع ترويج النظام وحلفائه لفكرة "انتصارهم" في الحرب السورية. ولا يرتبط ذلك بتشاؤم أو توجس من الأسوأ، كما كان عليه الحال عند كل انعطافة أو انتكاسة مرت بها الثورة سابقاً، لكنه قد يرتبط برؤية أكثر واقعية لمسار الثورة، التي باتت في سنواتها الأخيرة حرباً مرهقة طويلة الأمد، عانت فيها المعارضة من هزائم ثقيلة بعد التدخل الروسي لصالح النظام، منذ العام 2015.



ومع غياب الناشطين المؤثرين أو الأسماء البارزة في المعارضة عن المشاركة في الهاشتاغ، أتت الإجابات عاطفية ولحظية. فتحدث البعض عن إنشاء محاكم فورية، وتحدث آخرون عن نشر العدالة أو إطلاق سراح المعتقلين أو محاربة الفساد، وغيرها من العموميات، فيما امتلأ الهاشتاغ بأمنيات عنيفة، مرتبطة بسياق الحرب السورية، حيث تحدث البعض عن رغبة في الانتقام أو تصفية طوائف معينة، كالعلويين والشيعة، أو حتى إشعال حروب مع دول مجاورة وقفت ضد الشعب السوري، وصولاً إلى إغلاق الحدود مع لبنان بسبب السلوك اللبناني الرسمي المتسم بالعنصرية مع اللاجئين السوريين هناك.

هذا النوع من الأمنيات العاطفية، قد يكون تعبيراً شديد الصدق عن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها سوريا اليوم، مع غياب أي جهود دولية، تؤدي إلى حل سياسي حقيقي ينهي جذور الصراع الأساسية التي أدت للثورة ثم للحرب والفوضى. وتبرز هنا ثنائية الإحساس بالظلم والدعوة للانتقام كمؤشر أساسي يتكرر في النقاشات، يتم سحبه من الماضي، قبل الثورة السورية وخلالها، نحو المستقبل.

ويعني ذلك أن ما يروج له النظام السوري، عبر ماكينته الدعائية والدبلوماسية، حول النصر، ومراهنته على تحقيق مصالحة شاملة بعد سيطرته العسكرية على البلاد، ليس دقيقاً تماماً، لأن هذا النصر المؤقت يحول البلاد إلى قنبلة موقوتة تنتظر الظرف المواتي للانفجار، بصورة تمرد أو ثورة شعبية جديدة يقوم بها جيل سوري جديد أو أعمال إرهابية أو إعادة انبثاق للتنظيمات الجهادية. فيما ستحيا البلاد في ظل ذلك، حالة من التوتر الدائم بشكل مشابه للحالة اللبنانية المتوترة منذ نهاية الحرب الأهلية.

وصحيح أن تحول مسألة الرئاسة في سوريا إلى أمنية عابرة في "فايسبوك" أو "تويتر"، بدلاً من تكريسها كشرط في أي نقاشات مستقبلية تخص مستقبل البلاد، هو انحدار محزن للآمال المعارضة، إلا أن مجرد التعبير عن هذه الفكرة قبل الثورة السورية كان محرّماً، حتى ضمن المحادثات الشخصية. أما التعبير عنها بهذه الأريحية والعلنية اليوم، فيرتبط بكسر الثورة السورية لحواجز الخوف من النظام من جهة، وتحول غالبية المعارضين إلى المنافي حيث لا تطالهم يد النظام القمعية، من جهة ثانية.

ويجب القول أنه منذ الأيام الأولى للثورة السورية، انتشرت هاشتاغات وفعاليات افتراضية كثيرة مشابهة، لكن التعبير حينها عن الأفكار ارتبط بشرط مواز هو رحيل الأسد عن السلطة ووجود انتخابات ديموقراطية، ما جعل هذا النوع من الأفكار انعكاساً لواقع سياسي قيد التشكل، وجعل النقاشات تخرج من حيز الأمنيات نحو تقديم أفكار قابلة للتحقق، مع تعزيز النقاشات الإلكترونية بفعاليات تجري على أرض الواقع. لكن غياب أي طروحات للتغيير السياسي في البلاد، وترويج نظام الأسد وحلفائه لبقاء الأسد في السلطة لسنوات مقبلة، يؤدي إلى جعل الأفكار ضمن الهاشتاغ، تعبيراً عن اليأس من التغيير، ويمكن الاستدلال على ذلك بموجة الأفكار الساخرة ضمن الهاشتاغ نفسه، والتي لم تكن تلاحظ في السنوات السابقة، ضمن الموضوعات المشابهة.

يحيل ذلك تلقائياً إلى شعور عام بالخسارة. الاتجاه الحالي نحو التفكير بالتمني "Wishful Thinking" في وقت تذوي فيه الثورة السورية عن الوجود شيئاً فشيئاً، أمر مؤسف لأن تلك الثورة كانت الأمل الوحيد للسوريين في مستقبل أفضل، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة موت "الروح الثورية" أو نهاية "الحس المعارض".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024