"ديموقراطية اسرائيل"..جدل داخلي يدحض الادعاءات الإعلامية

أدهم مناصرة

الأربعاء 2021/09/08
ينعكس ادعاء صحيفة "هآرتس" بديموقراطية الكيان، بشيء من الفوقية نتيجة أبعاد ثلاثة. الأول، أنّ لا فرق بين يسار ويمين في اسرائيل. أما الثاني، فهو إنكار حتى الأقلام اليسارية للحقيقة القائلة إن "ديموقراطية إسرائيل" تلقت ضربات في السنوات الاخيرة؛ إذ تجلت ببقاء نتنياهو في الحكم لأكثر من عقد من الزمن، واحتاجت إسرائيل أربع انتخابات في خلال سنتين، لتتمكن من انتاج حكومة ضعيفة ومتناقضة برئاسة نفتالي بينيت تطيح حكم الليكود.

ويكمن الأمر الثالث، في عدم جُرأة الصحافة العبرية على الإعتراف بأنّ الخشية على اسرائيل وبقائها يقتضي حالة من الديموقراطية على المقاس الاستعماري. أي أن إطاحة نتنياهو ليست بسبب قوة الديموقراطية، وإنما مصلحة المؤسسة الاسرائيلية من أجل بقاء دولة الاحتلال وعدم التسبب في انهيارها على إثر النزاع على السلطة.

هذا الادعاء، جاء على صفحات "هآرتس" بالقول: "على الأقل، إسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".. حاول مراسلها العسكري عاموس هرئيل، التدليل على أنهم في الدولة العبرية يختلفون في كل شيء لكنّهم يتوافقون على ادعاء "الديموقراطية"، مقارن  بسوريا ولبنان. 

ويذهب المراسل العسكري لـ"هآرتس" في تغنيه بديموقراطية إسرائيل كواحدة مِن "ايجابياتها" بمناسبة رأس السنة اليهودية الجديدة، حدّ اعتبارها أحد المكونات الحاسمة في "براعة الجيش الإسرائيلي". ورغم إقرار هرئيل بأن السنوات الأخيرة من حكم رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، جلبت بعض دواعي القلق بشأن مستقبل الديموقراطية في دولة الاحتلال بسبب جهوده لتجنب المحاكمة وتقويض حراس البوابة المؤسسية بشكل منهجي.. إلا ان الكاتب يعود ويقول إن ثمة "حقيقة" مفادها أن الحكومة قد تم تغييرها، بالمحصلة، في صناديق الاقتراع وإقالة رئيس الوزراء بعد 12 عاماً في المنصب، وهو ما اعتبره "مصدر قوة مهم" لإسرائيل، على حد تعبيره.

ويُحاول عاموس هرئيل إغماض عينيه عن عيوب الديموقراطية الإسرائيلية عبر ذهابه إلى عقد مقارنة مع "جيران" دولة الاحتلال، خصوصاً العدوّان اللدودان لبنان وسوريا، كي يدلي باستنتاجه القائل: "ديموقراطية اسرائيل لديها ميزة واضحة ويمكن ملاحظة ذلك ايضاً في تعاملها مع جائحة كورونا، على الرغم من أوجه القصور في الحكومتين اللتين أشرفتا على الأزمة".

لعلّ مشاركة عاموس هرئيل، اليساري، في عملية الضخ الإعلامي التي تُروّج لإسرائيل كـ"واحة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة"، بدت متناقضة مع مواقف وأصوات من اليسار السياسي والاجتماعي في الدولة العبرية. وهذا ما أكده المتخصص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد لـ"المدن". فقد تحدث شديد، مُستقياً استنتاجه من مشاركته في ندوات اكاديمية وليس فقط اعتماداً على القراءات الصحافية والاعلامية، عن تنامي عملية التشكيك من قبل مفكرين وأكاديميين محسوبين على اليسار السياسي والاجتماعي في إسرائيل للمقولة المزعومة حول سلامة الديموقراطية الإسرائيلية.

وبيّن شديد أن الموضوع الذي تسلّط "المدن" الضوء عليه، كان، من قبيل الصدفة، مدار نقاش في ندوة أكاديمية في الجامعة العبرية قبل أيام. وقد شكك خمسة من الاسرائيليين المتحدثين في الندوة في أن "ديموقراطية إسرائيل اليهودية على ما يُرام"؛ موضحين أنها تخلت عن الديموقراطية مقابل الحفاظ على يهوديتها. بمعنى، لم يعد التعريف التقليدي للديموقراطية اليهودية، مُحرجاً لشريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي.

يوضح شديد أن "الديموقراطية"، داخل النقاش اليهودي، تراجعت، وأن كثيراً من المنُظّرين السابقين للديموقراطية اليهودية، إذا ما تم تخييرهم بين القومية اليهودية، والديموقراطية، لاختاروا الأولى.

ورغم محاولة التعمية في وسائل الاعلام العبرية، عن الوقائع، ثمة تحول بنيوي إيديولوجي وسياسي في إسرائيل في السنوات الأخيرة، أدى إلى خلق شبه إجماع حول الحالة اليمينية مع منهجية مُحكمة مفادها "يَمْننة المجتمع اليهودي"؛ وهو الأمر الذي يتناقض مع جوهر الديموقراطية بالمفهوم الذي بدأت عليه دولة الاحتلال. وتعزز ذلك من خلال إحكام اليمين سيطرته، خلال السنوات الاخيرة، على مؤسسات أكاديمية وإعلامية وحتى قضائية ممثلة في محكمة العدل العليا، إضافة إلى مساعي لجم الحضور اليساري منها.

ويقول عادل شديد إن الكثير من رموز الديموقراطية والعلمانية في الدولة العبرية، خلال السنوات العشر الأخيرة، باتوا يخجلون من تعريف أنفسهم بـ"يسار"؛ لأنه مصطلح أصبح شتيمة في منظور النقاش العام في إسرائيل. وذلك كله ناتج عن تغلغل اليمينية في أوساط المجتمع ضمن سياسة ممنهجة ومُحكمة لضمان حكم اليمين الأبدي.

ليس هذا فحسب، بل إن انحدار "الديموقراطية اليهودية في اسرائيل"، ولّد نظرة اجتماعية سلبية تزداد بشكل واسع تجاه الزواج المدني او المثليين على سبيل المثال. وهنا يبرز السؤال: عَن أي ديموقراطية اسرائيلية تتحدث "هآرتس"؟..ألم يصل نقاش الأكاديميين اليساريين إلى هرئيل؟
الصحافي المطلع على الشأن الاسرائيلي، محمد سلامة، لم يوافق على مقولة أن النظام الانتخابي في إسرائيل يتحمل المسؤولية في خلخلة الديموقراطية اليهودية لمجرّد احتوائه على ثغرات؛ لأن هذا النظام هو نفسه منذ نشوء دولة الاحتلال. 

لكن سلامة يرى في حديثه لـ"المدن" أن الإشكالية تكمن في الخطاب الانتخابي، وليس النظام الانتخابي في اسرائيل؛ مؤكداً تزايد الهوة بين اليمين واليسار، وكذلك بين اليهود الغربيين والشرقيين. وأضاف: "لقد حدث شرخ كبير في المجتمع الإسرائيلي هو الأكبر". ويرى سلامة أنه الشيء الذي ربما يدفع إسرائيل إلى المُفاخرة بديموقراطيتها، أن حزباً لا يملك سوى سبعة أعضاء في الكنيست، هو الذي يقود الآن الحكومة في تل أبيب. كما قلّل من الحكم المُطلق بأن اليمين سيطَر على الإعلام العبري، مشيراً إلى أن اليمين هو الذي يتهم الإعلام بأنه معادٍ له وينحاز لليسار. لكن التكاتف اليميني-اليساري يظهر فجأة عندما يتعلق الأمر بالموضوع الأمني!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024