رمزي نجار.. صناعة المرحلة من "سوليدير" الى 14 آذار

نذير رضا

الخميس 2020/11/19
لم تحظَ شخصية لبنانية غير سياسية، برثاء أكبر قدر من السياسيين اللبنانيين، مثل الراحل رمزي نجار الذي خطّ حقبة سياسية واقتصادية هامة برؤيته الاعلامية، وسوّق لمرحلة وسياسيين ما زالوا يحتفظون له بالودّ، ويعترفون بالجميل.

ونجار الذي توفي، اليوم الخميس، إثر مضاعفات إصابته بفيروس "كورونا"، يُجمِع اللبنانيون على أنه واحد من أبرز رجال الإعلان والإعلام في لبنان. عاصر مراحل صناعة الجمال والتسويق، شارك في صناعة اثنين منها، وشهد على أفول ثالثة، لكنه وسط ذلك، ساهم في صناعة مراحل لبنانية في السياسة والاقتصاد، كانت الدافع لأن يرثيه السياسيون.

عندما همدت أصوات المدافع وانطلقت موجة الاعمار في مطلع التسعينيات، كان لبنان يخطو من مرحلة الى أخرى. ليست مرحلة أمنية، بقدر ما هي تحوّل اقتصادي وتغيّر في مفاهيم الحكم. صنع الرئيس الراحل رفيق الحريري تلك المرحلة، وساهم نجار في التسويق لها، فارتبط اسمه بالحريري وراء الكواليس، حين شارك، الى جانب شريكه ايلي خوري، في رسم خطوطها إعلانياً من خلال "شركة "ساتشي أند ساتشي"، وسهّل اقناع اللبنانيين بها، وهو ما يتطلبه الاعلان في نهاية المطاف.

من عالم الاعلانات التجارية وصناعة صورتها وتأثيراتها البصرية، انتقل في اواخر الثمانينيات الى مرحلة تسويق "الترند" المقبل. إعلانات المصارف التي أشرف على صياغتها وتشكيلها فنياً، وتولى انطوان الشويري توزيعها. كان الاسم الأخير الجاذب لكل المعلنين، وطموح أي معلن ينوي الانتقال من مرحلة الى مرحلة. استطاع نجار، وشريكه خوري الذي يعد من ابرع المصممين في لبنان، أن ينجزا مهمة اقناع اللبناني بأن لبنان لم يعد يعادل بندقية، أو يساوي خرطوشة في حرب، وليس اللبناني معزولاً أو متوجساً. فالماضي الذي عايشه، يجب أن يخرج منه الى آفاق أوسع، تواكب وسع العالم وتغيراته.

والحال ان ارتباط الرجل برفيق الحريري، كان على اساس عمل تولته شركه عبر اعداد اعلانات "سوليدير" والمصارف. نهضة بيروت ارتبطت بالحريري، وبالتالي، فإن أياً من ملحقاتها سيكون مرتبطاً به.

انتشل الرجلان، رمزي نجار وايلي خوري، الذات اللبنانية من ثقافة الحرب، واستبدلاها، على مدى 8 سنوات (من 1992 الى 2000) بشخصية أخرى وجدت ضالتها في حنين الى زمن الحريري الذي عاود الفوز في الانتخابات النيابية العام 2000، بعد كبوة سياسية وتهميش تجلّى في انتزاع رئاسة الحكومة منه بين العامين 1998 و2000 حينما ترأسها سليم الحص. لكن الحريري الأب عاد الى المشهد السياسي اللبناني بمفاهيم اقتصادية لم تجد عوائق أمام تقبلها لدى كثيرين في لبنان. لبنان، على يدي "ساتشي أند ساتشي"، ولد مرة جديدة خلال سنوات ضئيلة. لا يشبه اللبناني، بذاته، ما كان عليه خلال السنوات الاولى من عمر السلام في التسعينيات...

كان الإعلان العربي في تلك الفترة أمام تجربتين: الاعلان المصري الذي لم يخرج منذ 20 عاماً من الأغنية الإعلانية المباشرة، وبين الاعلان اللبناني الذي وضع تصوراته شركة "ساتشي اند ساتشي". إعلان رمزي النجار، باقتضاب بصري، وجمالية استثنائية تضاهي التجارب العالمية، أبعد من مجرد التسويق بمعناه التعريفي. هي تجربة اقناع، وضعت أسساً جديداً للتواصل بين المنتج والمستهلك تمر عبر رسالة اعلانية، فتحوَّل لبنان إلى وجهة لإعلانات العالم العربي، وحصدت الوكالة الإعلانية (ساتشي) مجموعة كبيرة من الجوائز المحلية والدولية المرموقة.

أسّس النجار في العام 2002 شركة Strategic Communication Consultancy-S2C للاستشارات في مجال التواصل الاستراتيجي، والتي سعى من خلالها إلى إحداث تحوّل في عالم التواصل في المنطقة من خلال تقديم المشورة الاستراتيجية للشركات الإقليمية ومتعددة الجنسية، والحكومات والمؤسسات العامة، ودعم تلك الجهات في مجال التواصل، ومساعدتها على تعزيز صورتها العامة والحفاظ عليها، وعمل في العالم العربي كمستشار لتسويق حملات اجتماعية وسياسية، وبعضها مرتبط باحترام القانون.

ويستحيل أن يُذكر رمزي نجار، من غير أن يُذكر ايلي خوري. كان الاخير يتولى عملية خلق الاعلان وتنفيذه، أما نجار فكان يقيّم الحملة ويصححها. عُرف رمزي برشاقة لغته، وقدرته على صياغة الشعار، ذلك الشعار الذي قامت على اساسه "ثورة الأرز" في 14 آذار 2005، وأبرزها "نحن نحب الحياة". فمهاراته في التسويق السياسي، كانت عالية جداً، ويعود ذلك الى اتقانه الاعلام والتواصل والتدريب والاستشارات، ومهارته في التسويق والتواصل والإقناع بالأفكار. 


هذه الميزات، دفعته ليضع نفسه خارج قيود ما تنتجه الوكالات الاعلانية. كان مستشاراً لدى السياسيين من أجل يعطيهم نصائح بخصوص الحملات التسويقية. ومن ضمن حملاته، عمل على فكرة تحويل رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، الى مرشح رئاسي. كان الرجلان يرتبطان بصداقة، هي ذاتها الصداقة التي دفعت رمزي للدخول على خط المصالحة بين جعجع ورئيس مجلس ادارة "ال بي سي آيه" الشيخ بيار الضاهر. 


وإلى جانب تردده على بيت الوسط، عمل مع الرئيس الأسبق نجيب ميقاتي على تسويق حكومة "إلى العمل" التي ترأسها. مهاراته في التواصل، وسّعت مروحة علاقاته، وصنعت له حيزاً استثنائياً من العلاقات، فرضته في معظم مراحل لبنان خلال السنوات الثلاثين الماضية.
 

الى جانب الحملات الإعلانية والتسويق في وسائل الإعلام، كان اسم رمزي نجار قد لمع في إعداد وإنتاج برنامج "المميّزون" التلفزيوني الثقافي، الذي قدّم الإعلامية جيزيل خوري للمرة الأولى، ولاقى رواجاً واسعاً في لبنان والبلدان العربية في العام 2002، وألّف كتباً عديدة في الفلسفة والسياسية والدين، آخرها "الحركة والسكون: الإعلام والقضاء" الذي صدر في نيسان 2016 باللغتَين العربية والإنكليزية (عنوان النسخة الإنكليزية The Right Not to Remain Silent).

"رموز " كما كان يحلو لي ان أسميك. اخترتني وانا شابة صغيرة لتقدمني للجمهور العريض في برنامج " المميزون" ومن يومها اصبحت...

Posted by Gisele Khoury on Thursday, November 19, 2020
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024