انسحاب الجيش السوري الذي عطّل الحكم وشرّع الطائفية

قاسم مرواني

الإثنين 2021/04/26
يحيي جزء من اللبنانيين اليوم، المعارضين للمحور الممانع خصوصاً، ذكرى انسحاب الجيش السوري من لبنان، في 26 نيسان 2005. وحيا رئيس حزب الكتائب، سامي الجميل، نضالات اللبنانيين على مدى ثلاثين عاماً والتي أثمرت انسحاب السوريين من لبنان.

كان الجيش السوري موجوداً في مناطق لبنانية عديدة، خصوصاً في البقاع والشمال ومناطق مختلفة من بيروت. تمثلت مهمته في إرساء الأمن بعد الحرب الأهلية التي انتهت في العام 1990 والحرص على تطبيق اتفاق الطائف. تأثير وجود الجيش السوري على الأراضي اللبنانية، وتحكمه بمفاصل الدولة كافة، أدى إلى إقصاء الأحزاب المسيحية الممثلة شعبياً، عن الحكم، وبالتالي امتناع المسيحيين عن المشاركة في الانتخابات والسلطة.

هذا الاقصاء، أنتج سيطرة الأحزاب الاسلامية، "تيار المستقبل" خصوصاً، على مفاصل الدولة، إما عبر موظفين سنّة أو مسيحيين تابعين له. مع انسحاب الجيش السوري في نيسان 2005، ومع خروج سمير جعجع من السجن وعودة ميشال عون من  المنفى، عاد المسيحيون، المهمشون منذ 15 عاماً، إلى المطالبة بحصتهم في السلطة ما فتح مواجهة بينهم وبين الأحزاب الاسلامية، خصوصاً السنّة، إذ أن اتفاق الطائف ألغى صلاحيات رئيس الجمهورية ووزعها على مجلس الوزراء معطياً رئيس الوزراء صلاحيات  واسعة. 


حاول المسيحيون بعد الانسحاب السوري استعادة ما سلبه منهم  الطائف و15 عاماً من الاقصاء. تبدو معركة الصلاحيات جلية اليوم، بين رئيس الجمهورية المسيحي، ورئيس مجلس الوزراء السني، كما بين مدعي عام جبل لبنان غادة عون المسيحية، ورئيس محكمة التمييز غسان عويدات السني، كما بين الأجهزة الأمنية، "أمن الدولة" الذي يرأسه مسيحي، و"شعبة المعلومات" ومن خلفها قوى الأمن الداخلي المحسوبة على السنّة.

أطلق زعماء الطوائف اللبنانية على معركة الصلاحيات هذه، معركة حقوق الطائفة. حقوق المسيحيين، حقوق السنّة وحقوق الشيعة. الحق في الحكم والتمثيل واتخاذ القرار. أدت هذه المعارك إلى تعطيل آلية اتخاذ القرار في الدولة اللبنانية منذ العام 2005، حيث تدهور الوضع شيئاً فشيئاً، وسط غياب سلطة الدولة على الأرض، حتى وصل إلى بداية الانهيار التام في العام 2019، من دون أن يكون أصحاب القرار قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة بسبب التعطيل وتقاذف المسؤوليات. 

انسحاب الجيش السوري وبداية معركة الصلاحيات بين المسيحيين والمسلمين، أعادت إلى السطح الانقسامات اللبنانية التي اعتقد الكثيرون أنها انتهت مع نهاية الحرب، لكنها في الحقيقة كانت مكبوتة تحت سطوة الجيش السوري. كذلك أظهر الخلل في اتفاق الطائف وتوزيع الصلاحيات الذي يظهر أزمة حكم عميقة يعانيها النظام اللبناني، حيث يبدو أن لا خروج من الأزمة الحالية إلا بإعادة تقييم نظام الحكم وتغييره وإعادة انتاج السلطة من جديد.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024