كاظم الساهر.. قيصر أم فنان هابط؟!

بتول خليل

الخميس 2018/10/11
ليس من المنصف في أيّ حال محاولة ربط اسم كاظم الساهر بالفن الهابط. بل هناك كثير من الاجحاف والبعد من المنطق وعدم رجاحة التقييم وتلمّس الموضوعية في هذا الوصف. بالرغم من أنّ كُثُر قد سارعوا بانتقاده مؤخراً بعد سماعهم أغنيته الجديدة "صباح الخير"، التي بدا أنها خيّبت آمالهم، بسبب عدم توقعهم خروج نجمهم المفضل عن نمط أغانيه المعتاد، الذي طالما اعتبروه استثنائياً ومختلفاً، وذا مستوى ميّز مسيرة القيصر الفنية وأعماله.

ردود أفعال وتعليقات شريحة واسعة من جمهور الساهر وغيرهم ممن استمعوا إلى الأغنية، بدت متطرفة. قوبلت الاغنية بانتقادات حادة ركّزت على اللحن والكلمات، باعتبارهما من "المستوى الهابط" الذي "لا يليق بالساهر ولا بتاريخه"، مطالبينه بالعودة إلى التزاوج الرائع بين القصائد المنتقاة واللحن الابداعي وصوته المتفرّد، ومناشدين إياه عدم استبدال نسقه المعهود وعدم التحاقه بركب التراجع والهبوط السائد، حتى أنّ البعض مال إلى التشكيك في أن الموسيقار طلال، هو الأمير خالد بن فهد، وأنه قدّم مبلغاً كبيراً للساهر كي يغنّي هذه الأغنية بعدما قام بتلحينها.

كاظم الساهر كان قد كشف عن سعادته البالغة بإطلاق أغنية "صباح الخير"، معبّراً عن حماسه الشديد والتزامه بتقديم "المتميز والأفضل"، وهو ما تحقق، بحسب تعبيره، من خلال تجربته "الجديدة والرائعة"، التي تمثلت بتعاونه مع الموسيقار طلال، آملاً أن تنال هذه الأغنية إعجاب واستحسان الجمهور العربي.

ثمة الكثير من المبالغة في الجدل الذي أحاط بالأغنية الأخيرة، فليس من حق أي كان تقييد أو إلزام الساهر، من خلال ربطه حصراً بتلحين أو غناء القصائد والملحميات. إذ أن الأغنية في حد ذاتها لا تعتبر عملاً أدبياً بحتاً، يقتصر تقييمها من خلال معايير الشعر والأدب، بل هي مجموعة من تكاوين وعوامل متوازية، يمتزج فيها اللحن والإيقاع والتوزيع والصوت والأداء ونوعية الكلمة ومعناها وانسيابيتها وسلاستها، وهي شروط تناغمت جميعها في "صباح الخير"، ما يجعلها عملاً يندرج تحت خانة التجدد لا الانحدار، وهو تماماً ما شدد عليه وسعى لإيضاحه الساهر.

"صباح الخير" تمتاز بتوافر عناصر الحداثة فيها، إيقاعاً وأداءً، وتتحقق في كلماتها شروط السهل الممتنع، ما يجعل من اكتمال عناصرها يضفي جودة معينة عليها، بصرف النظر عن كونها لا تشبه غيرها من أغاني القيصر. وطبعاً لا نزعم هنا ببلاغة كلماتها، أو اعتبارها بأنها تحفر عميقاً في الوجدان أو تترك أثرها عليه. فلم لا يتم التعامل معها على ماهيتها وذاتها بعيداً من المغالاة بالتوقعات أو مقارنتها بالقصائد المغنّاة؟

يحقّ للساهر بطقطوقة خاصة، وهي موضة درج عليها كبار الملحنين في مصر. فسيّد درويش لحّن "يا صلاة الزين"، ومحمد عبد الوهاب غنّى "المَيَّة تروي العطشان"، وعبد الحليم حافظ غنّى لرياض السنباطي طقطوقة "يا قلبي يا خالي". كما أنّ فيروز، ورغم كلّ السخط والنقد، تجرأت على التغيير وغنّت "كيفك أنت" و"عودك رنان" و"يسعد صباحك يا حلو" و"مش كاين هيك تكون"، ومارسيل خليفة غنّى "الليلة بدّي خلّي الكاس"، وهناك مئات الأمثلة من أغانٍ مماثلة قدّمها كبار الملحنين والمطربين في العالم العربي، ولقيت رواجاً كبيراً.

لن ينقطع الجدل حول هذا الموضوع طالما أنّ نمطيتنا الفكرية في العالم العربي هي بذاتها نمطية مقولبة. لا تستسيغ فكرة أحقية الفنان بالتجريب والتنويع والتجديد، إذ يحق لأيّ مبدعٍ في مجاله أن يقدّم صورته بالطريقة التي يراها هو، وأن يحقق ذاته وسعادته بالمغامرة والتغيير وتجريب ما هو جديد للمضي في مسيرة الابداع.

قانون الفن والابداع لا يمكن النظر إليه أو مقاربته كما لو أنه تنافس في ألعاب أولمبية، أو أنه خوض لتحدياتٍ ذات طبيعة تستند إلى التطور من خلال قواعد ثابتة، تقوم على التكرار بإثبات التفوّق عبر معاظمة القوّة والسرعة. فهاجس التطور للفنان يعكس المعادلة تماماً، من حيث اعتماده على المحاولة والتجربة والاكتشاف. فتجليات المادة الابداعية تتحقق بسبل مختلفة عن الأنماط السائدة. وكاظم الساهر، صاحب الخبرة في التأليف الموسيقي، يحقّ له السعي إلى تطعيم تجربته الغنائية خارج إنتاجه الشخصي. ورغبته بالانفتاح وخوض غمار سبل التغيير، تضعه في خانة المطربين الذين يمكنهم اللجوء إلى عشرات الملحنين المختلفين، وفتح المجال للتعاون والانتقاء والاستفادة من خلاصات وومضات إبداعية متنوعة.


©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024