مكيالان يتعاطى بهما "حزب الله" مع اسرائيل

قاسم مرواني

الجمعة 2020/10/02
غداة إعلان الرئيس نبيه بري، إتفاق الإطار لبدء المفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية، أطلق الناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، حملة استهدفت محور الممانعة بشكل خاص، معتبرين التفاوض مع كيان العدو اعترافاً بوجوده وتخلّياً عن المقاومة. 
لم يرحم الناشطون "حزب الله" وهم العارفون تماماً بالوضع الصعب الذي يمر به لبنانياً في ظل الضغوط الدولية، والذي يجبره على تقديم التنازلات، رغم نفي المقربين من الحزب تلك الفرضية، متحدثين عن "التفاوض من موقع القوة"، وهما مقاربتان سياسيتان يتباين حولهما اللبنانيون، كما ظهر في تغريدات الناشطين. 

فالحزب، من وجهة نظر الطرفين، لطالما فاوض الإسرائيليين بشكل غير مباشر في محطات عدة، سواء في العام 1998 و2003 و2008 عند تبادل الأسرى، أو  في قبوله بالمفاوضات التي افضت الى انهاء حرب تموز 2006 حينما أقر القرار 1701 إثر اتفاق بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة. 

لكن الحزب نفسه، لطالما تعامل بمكيالين في موضوع التعاطي مع اسرائيل، فكل إشارة إلى مفاوضات أو عقد اتفاقيات معها، يضعه الحزب في خانة العمالة والخيانة العظمى. حتى إشارة إلى وجودها عن طريق الخطأ، في نشرة إخبارية أو وضع اسم اسرائيل بدلاً من فلسطين في الخريطة كان يعرض صاحبه لحملة من أنصار الحزب، كأن الحزب يحتكر قرار التفاوض أو الاتفاق مع كيان العدو.

كان الحزب قد عاند لسنوات ترسيم الحدود مع العدو، متمسكاً بحق لبنان بالتنقيب عن النفط في مياهه الإقليمية وهو غير مستعد للتنازل عن شبر واحد منها. 

أجبرت الضغوط الأميركية والأزمة التي يمر بها لبنان اليوم، حزب الله، على التنازل والقبول بالتفاوض، وهو ما ظهر في مقدمة قناة "المنار" التي أثنت على اداء رئيس مجلس النواب نبيه بري في التفاوض منذ 10 سنوات. 

هذه الخطوة يراها الكثيرون في لبنان إيجابية في سبيل تحسين الأوضاع الاقتصادية بعد استخراج الغاز. 

في ما يخص الاعتراف بكيان العدو، فإن الأمر الواقع يفرض نفسه على الجميع، مفاوضات حزب الله غير المباشرة مع الإسرائيليين خلال العقود الماضية كانت نوعاً من الاعتراف بوجودها لا مفر له منها، ولا يخرج الاعتراف الحالي عن هذا السياق. 

كما أن هذا الاعتراف غير المباشر، لا يفرض أي علاقات بين الدولة والكيان. في إحدى القرى الجنوبية، خلال خطبة الجمعة، قال أحد خطباء المساجد "ما يسمى الولايات المتحدة الأميركية". هذه اللا اعتراف لا يقدم ولا يؤخر على الأرض، فالجميع ملزم بالتعاطي مع الأمر الواقع وهو أن كيان العدو موجود ولا-اعترافنا به هو مجرد إثبات موقف مبدئي وضروري. 

أن يضع حزب الله نفسه في موقف يدفع الآخرين إلى التشكيك في مبادئه واتهامه بالعمالة، وأن يذهب إلى المفاوضات من موقع ضعف، يشير إلى عمق الأزمة اللبنانية ومدى تأثيرها في الحزب استراتيجياً حيث يجد نفسه مكبلاً. 

الناشطون في مواقع التواصل الذين انتقدوا اعتراف الحزب بإسرائيل والمفاوضات معها، هم بالأحرى ينتقدون ازدواجية المعايير التي يتعاطى بها الحزب، فما هو مسموح له ممنوع على غيره: مسموح لحلفائه (العونيين) الاعتراف بإسرائيل والتصريح بأنه لا مشكلة إيديولوجية معها، وممنوع على خصومه. كما أن ترسيم الحدود لم يحدث إلا حين صار الحزب بحاجة للخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه، وليس لأنه ضرورة لبنانية.
  
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024