صادق الصباح لـ"المدن":"الهيبة"خارج المنافسة..و"خمسة ونص"حالة

إيمان ابراهيم

الثلاثاء 2019/05/21
"الدراما العربيّة المشتركة مستمرّة". تلك خلاصة يجزم بها المنتج صادق الصباح الذي يؤكد أن "الأصوات العنصريّة التي ترتفع في وجه التعاون اللبناني السّوري في الدراما، لا تشبه الأجواء السّائدة داخل العمل نفسه". ويحسم مرة أخرى بأنه "لا أحد يسأل الآخر ما جنسيته، كلنا نعمل لإنجاح العمل".
 
والصباح، مالك شركة "صبّاح إخوان"، يمثل واحداً من المنتجين الأوائل الذين طووا صفحة أعمال الجنسية الواحدة. فالأعمال المشتركة، التي طعّمت الخبرات، واستقطبت المشاهدين على مساحة العالم العربي، تكاد تكون فعل إلغاء للحدود الثقافية، وهو ما ترصده خريطة إنتاجاته التي جمعت اللبناني بالسوري والمصري، وفق ما تقتضيه عوامل الجذب والإبهار. 

ينافس الصباح هذا العام بستّة مسلسلات، بينها ثلاثة لبنانية-سورية مشتركة هي "الهيبة - الحصاد"، "خمسة ونص" و"دقيقة صمت". كما تنتج "سيدرز آرت برودكشن" - "صباح اخوان" مسلسل "ولد الغلابة" و"فكرة بمليون جنيه" و"يلا نسوق". يؤكّد الصباح في حديث لـ"المدن" أنّ نجاح "الهيبة" لا يقارن. يتحدّث عن آلية إنتاج المسلسل من طرح الفكرة حتى عرضها على الشاشة، وبتواضع المحترف الناجح صاحب الخبرة الطويلة يعترف: "أحياناً ننجح وأحياناً نخفق.. والتوفيق من عند الله".

"المدن" التقت صادق الصباح، المنشغل بتسليم حلقات مسلسلاته بشكل يومي إلى المحطات التلفزيونية، ولا ينكر أن "الوقت داهمنا هذا العام ونحن نعمل في الوقت الضائع". ونسأله:

- تواجه مسلسلات رمضان بالمجمل انتقادات للسيناريو وثمّة حديث عن أزمة نصوص في الدراما العربيّة.  هل تقرأون النصوص كاملة قبل التصوير؟

منذ مدّة طويلة توقّفتُ عن أخذ نصوصٍ جاهزة. دائماً نفصّل السيناريو بأيدينا، قد ننجح وقد لا ننجح، ويبقى التوفيق من عند الله. مثلاً هذا العام، كان التساؤل ماذا سنقدّم مع نادين نجيم وعابد فهد، بالتزامن مع مسلسل "الهيبة" المستمر منذ ثلاث سنوات بنجاحٍ كبيرٍ. خطّة العمل تقوم على طرح تساؤلات وأفكار، نريد نادين هذا العام في هذا الملعب، ثم نبدأ بتركيب سيناريو مع مؤلف محترف ومخرج يقدّم الفكرة بحسب رؤيتنا وبطريقة محترفة.

- أحياناً تكون الفكرة العامّة جذّابة لكنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، وبعضٌ مما نشاهده في الشاشة من تفاصيل غير محبوكة، قد يُسقط العمل بأكمله. فإلى أي مدى تعوّلون على هذه التفاصيل بعيداً من الفكرة العامّة؟

أقول دائماً إنّ الكمال لله، وما تشاهدونه من أعمالنا قد تصل نسبة الواقعيّة فيه إلى 80% من الأحداث، لكن ثمّة أموراً تحتّمها الدراما. والدراما ليس تجسيداً للواقع بصورة فجّة. المشاهدون يحبّون أن يدغدغ مشهد ما خيالهم، وما نقدّمه في الشاشة ينبع من دراسات نقوم بها لنعرف توجّه المشاهد والمزاج العام، ورغبة المعلن والشاشات، وهي التي تقودنا إلى اختيار الفكرة العامّة للمسلسل. نحن نعمل بجهد وحرفية، قد ننجح في مكان ونخفق في مكان، وكما سبق وذكرت الكمال لله.

- عندما تشاهد المسلسل في الشاشة، بعد أن تكون قد أشرفت على كافة تفاصيله، هل تكون ناقداً قاسياً أم تحاول إيجاد تبريرات؟

لا بالعكس أتابع وأنتقد، لكن المشكلة أنّني أشاهد الحلقة قبل تسليمها بأيّام قليلة إلى المحطات، واليوم بتنا نسلّم حلقاتنا بصورة يوميّة إلى المحطّات، وهذا العام وقعنا في مأزق لأنّ شهر رمضان بات يحلّ باكراً، ونحن معتادون على بدء التصوير بعد رأس السّنة، وقد شعرنا بخطورة الوقت الذي داهمنا. "خمسة ونص" مثلاً انتهى تصويره قبل أيامٍ قليلة فقط، وكل يوم نقوم بتسليم حلقة إلى المحطات. ولدينا عدد كبير من المحطات نسلّمها الحلقات، نحاول قدر الإمكان أن نقدّم أعمالاً ترضي جميع الأذواق.

مزاج الناس رومانسيّ

- تقدّمون أعمالكم بحسب استفتاء السوق والمحطات التلفزيونية، والمعلنين. إلى أين يتّجه المزاج اليوم؟

هذا الاستفتاء يحدّد لنا نوع المسلسل والأبطال والجغرافيا. اليوم حالة "روبن هود" الهيبة لا تزال مطلوبة، والمشاهدون مسرورون بالمسلسل، وبالشهامة والفروسية التي يمثّلها "جبل" رغم أنه خارج على القانون. وقد ارتأينا أن تكون ثمّة رومانسية في العمل، لأنّ الفروسية وحدها لا تكفي، وبالطبع تختلف الأجزاء أحدها عن الآخر، وبالتأكيد لن نقدم جزءاً عاشراً من الهيبة. كما أننا قدّمنا كثيراً مواضيع الخيانة، ونحن نلعب في هذا الملعب ونسير حوله، والمزاج في هذه الفترة يتّجه نحو الحب، إشكاليات الفساد، كما أننا نحب أن ندخل بعض الأمور الواقعية في الدراما اللبنانية، فنتحدّث قليلاً عن واقع البلد.

- ما هو تقييمكم لنجاح المسلسل؟ نسب المشاهدة؟ أم نقد الصحافة؟ أم التفاعل في السوشال ميديا؟

ما يهمّني هو نبض الشارع. لم تأخذني يوماً أرقام الإحصاءات لأنّها تجسّد عينات من ألف أو ألفي منزل. هي تدلّ نوعاً ما على اتجاه الأمور، لكنها ليست نهائية ولا حاسمة. ما يهمني هو نبض الشارع والإعلانات والمحطة نفسها عندما تسألني في العاشر من رمضان عن مشاريعنا للعام المقبل. كما أنّ المحطات المشفّرة تعطيك فكرة عن الأعمال التي يتابعها المشاهد، وهي أرقام لا يمكن التلاعب بها، وقد بدأت ألمس نسب المشاهدة والنتائج.

-هل تأخذون انتقادات الصحافة بعين الاعتبار؟

طبعاً، نأخذ بالنقد البنّاء الذي يقدّمه الصحافيون المحترفون، وندوّنه، ولديّ أشخاص يحتفظون بهذا النقد لنستفيد منه في الأعمال المقبلة. لكني أودّ أن أنوّه هنا إلى أن الأمور التي يراها الناقد، لا ينتبه إليها في الغالب المشاهد العادي.

- ما هو أكثر مسلسل يحقّق نسب مشاهدة بين أعمالكم هذا العام؟

"الهيبة الحصاد" خارج المنافسة لأنه حالة خاصة ومتابعوه يسيرون معه من الجزء الأوّل. "خمسة ونص" كان ظاهرة بالنسبة إلينا، وأحدث حالة جماهيريّة، أما محبّو الدراما الثقيلة التي تحمل قيماً معينة، فهم يشاهدون "دقيقة صمت".

لبنان استديو كبير

- ذكرت أن الجغرافيا هي من العوامل المهمّة لاختيار المسلسل، ما المقصود بالجغرافيا؟

المشاهد في العموم يحب مشاهدة المناظر الطبيعية، ونحن في لبنان لدينا عامل أقوى من العامل المصري والخليجي حيث التصوير في معظمه داخلي. ففي لبنان، باعتباره استديو كبيراً، لسنا بحاجة لعمل ديكور داخلي، نعتمد أكثر على المشاهد الخارجية، وهي تريح عين المشاهد، ولدينا حرص على إظهار الصورة الجمالية لبلدنا، كما نجح الأتراك من خلال مسلسلاتهم في الترويج لسياحة بلدهم. 

"نتفليكس" تغيّر المعادلة


- ماذا غيّرت المنصّات العالمية مثل "نتفليكس" في رؤيتكم الإنتاجيّة مع إقبال المشاهد العربي عليها؟

بالطبع غيّرت الكثير من رؤيتنا. وقريباً ستشاهدون مسلسلنا الجديد "دولار" الذي يجمع عادل كرم وأمل بشوشة في "نتفليكس"، وهو أوّل عمل أصلي عربي تنتجه المنصّة بعد "جن"، المسلسل الأردني.

- ما الفارق بين أن تعرض إنتاجك في "نتفليكس"، وبين أن تعرضه في قناة فضائيّة؟

أولاً، شبكة "نتفليكس" ليست ملزمة بعدد حلقات، الحد الأقصى الذي تطلبه 15 أو 16، وإذا نجح العمل يُنتَج منه جزء ثانٍ، لذا وضعنا كل زخمنا في مسلسل "دولار" بـ15 حلقة يمكن أن تمتد إلى 30 حلقة بكل سهولة. لذا سترون عملاً مختلفاً، سريعاً، مختلفاً تماماً وقصته جذابة وساحرة.

- سمعنا أنكم تحضّرون لأكثر من عمل مع "نتفليكس"؟

نعم نحضّر لأمورٍ كثيرة، منها عمل عن حالات اجتماعية في العالم العربي، مثل الطلاق الذي بات ظاهرة مستفحلة، وقد أظهرت دراسة أنّ العالم العربي يشهد سنوياً نسب طلاق توازي 40% من حالات الزواج، وسأعرضها ضمن 8 حلقات بعدما اشتريت حقوق قصة "عايزة اتطلق".

- يقال إنّ الدراما العربية المشتركة وصلت إلى نهايتها، وإنها لم تعد تجذب الجمهور كما كانت في السابق، هل هذا الأمر دقيق؟

لا أبداً، هذه الدراما مستمرّة وستبقى مستمرّة رغم كل الأجواء السلبيّة التي يحاول البعض إشاعتها، وقد سمعت قبل فترة أحد النقاد يقول إنّ التقنيين السوريين والنجوم السوريين طوّروا الدراما اللبنانية، وأنا أود أن أسأله، هل يعلم أنّ الدراما السورية في الستينيات كان تصوّر في "تلفزيون لبنان"؟ دريد لحام ونهاد قلعي كانا يصوّران حلقاتهما في "تلفزيون لبنان"، وهذا التعاون قائم منذ عقود وهو متبادل. 

هذه الدراما المشتركة هي روح واحدة ورحم واحد، نحن شعوب لبنان وسوريا والأردن وفلسطين والعراق بيننا عوامل وقواسم مشتركة، ونحاول قدر الإمكان أن نستفيد من خبرات بعضنا البعض ونطورّها. ويشهد التاريخ أنّ لبنان كان رائداً في المسرح مع الرحابنة، وأنّ "تلفزيون لبنان" قدّم في الخمسينيات أعمالاً درامية كان يشاهدها العالم العربي بأسره. للأسف يتعامل معنا البعض وكأننا كنّا في سبات واستيقظنا اليوم، وهذا الأمر ليس صحياً ولا يعكس الروح السائدة في العمل، حيث نعمل بجنسيات مختلفة، هدفنا إنجاح العمل، ولا يسأل أحدنا الآخر ما جنسيتك. باختصار، الدراما الناجحة هي التي تأتي بعناصرها، ولو من المريخ، لو كان ثمّة مهندس ديكور موهوب في الهند لأحضرته للعمل معنا. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024