يوم عالمي للحجاب: نساء ضد نساء

عدنان نعوف

السبت 2021/02/06
بينما اعتادت مجموعة من الناشطات على الاحتفال سنويّاً بما يسمى "اليوم العالمي للحجاب"، راحت أصوات نسائيّة مقابلة تطالب بحَملة مضادة "تسلط الضوء على اضطهاد المرأة في البلدان الإسلامية"... يُلخّص هذا المشهد المرحلة التي وصلت إليها "القضايا الإنسانية" في عصر تحوّل النضالات الشعبية إلى حَملات تستثمر بالرموز الهوياتية لتحقيق "الاعتراف والقبول" لأصحابها، من دون اكتراث بتغيير الواقع.

وتعود فكرة تخصيص شهر شباط لدعم المحجبات، إلى الفتاة الأميركية المسلمة، ناظمة خان، التي أطلقت مبادرتها العام 2013، واستطاعت لاحقاً تأسيس منظمة تهدف إلى "تعزيز التسامح، عبر دعوة النساء غير المحجبات لتجربة الحجاب ليوم واحد" بحسب موقع المنظمة. وبمرور السنوات استقطبت خان الداعمين لها من سياسيّين ومشاهير ووسائل إعلام، وباتت حملتها جزءاً من خطاب نسوي منتشر عالمياً يستخدم فكرة "الحرية الفردية" لتبرير الحفاظ على صورة "المرأة المحجبة الضحية" التي "تواجه تمييزاً"، مع أن التمييز - لو حدث - لن يوجد إذا لم يتمّ استعراض الهوية، وارتداء لباس ديني في فضاء عام وخارج دُور العبادة.

والملاحظ في هذا الخطاب النسوي أيضاً اعتماده على خلط المفاهيم وتبسيطها، وتحويله للمسألة إلى خلاف شكلي يتساوى فيه جميع الأطراف، وخلق عدوّ تحت مسمى "الأوصياء على جسد المرأة" بما يُغيِّب جذر المشكلة وإطارها الأشمل وهو المنظومات المجتمعية والسياسيّة القائمة على استغلال المرأة، بالحطِّ من شأنها، وسلبها حقوقها الإنسانية والقانونية وصولاً إلى مظهرها.

بمناسبة #اليوم_العالمي_للحجاب، يا ريت نحل عن أجساد النساء ورؤوسهن. يا ريت تسقط مفاهيم الشرف والعفة وربطها بالحجاب،...

Posted by Sara Sheikh Ali on Monday, February 1, 2021


وعلى هذا الأساس شكّلَ "اليوم العالمي للحجاب" مناسبةً للمناهضات له لإحيائه على طريقتهن، بالتحذير من خطورة إعطاء الزي الديني أكثر من حجمه، أو تكريسه كنموذج مثالي بإسم "الحرية"، كونه يُعزز صورة المرأة المسلمة المُستّغلّة والتي تعيش في شخصيتها ازدواجيّة "الإنسانة المتدينة والمُواطِنة" في الوقت ذاته، كما أنه يحرمها من الاندماج الاجتماعي، والأسوأ أنه يعزِل باقي المشكلات المرتبطة عن النقاش، كتزويج الأطفال، وختان الإناث، والميراث.

وبما أن إثارة هذا الموضوع تشكل أولوية في مجتمعات الأقليات المهاجرة في الغرب والتي تتجاذبها قوى سياسية داخلية وخارجية مختلفة، برزت في هذا السياق مساهمات للعديد من المهاجرات على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت هاشتاغات مثل "ضد الشريعة" #AgainstSharia  و"ثقافة الاغتصاب بالحجاب" #HijabRapeCulture.

وبالتوازي، كان لافتاً نشر صحيفة "بيلد" الألمانية واسعة الانتشار تقريراً حول الأسباب التي تدفع بعض النساء للمطالبة بفعالية مناوئة تتمثل بيوم عالمي "ضد الحجاب" لا معه. وتحدثت في هذا التقرير سيدتان سردتا تجربتيهما مع ارتداء النقاب والبرقع، حيث عبّرت السعوديّة المقيمة في ألمانيا رنا أحمد عن رفضها لفكرة اليوم العالمي للحجاب "لأنه يعزز التصور السياسي للإسلام". وتقوم رنا بحملات من أجل حقوق المرأة، كما أسست جمعية لمساعدة اللاجئين.

وبدورها تحدثت الناشطة النمساوية من أصل إيراني مينا أحدي عن التقلبات التي عاشتها في ظل فرض لباس محدد على النساء بعد الثورة الإسلامية الإيرانية العام 1979، مشيرة إلى أن مشاركتها في مظاهرات مناهضة للحجاب تطورت إلى "مجابهة النظام الإسلامي هناك".

وتبقى أقسى الهجمات الانتقادية لـ "اليوم العالمي للحجاب" تلك التي جاءت على لسان نائبة تكتل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني في البرلمان الألماني، بياتريكس فون شتورش، حيث رات في تدوينة لها أن "الحجاب هو استعراض للقوة من قبل الإسلام السياسي، ومحاولة منه للهيمنة على الفضاء العام". وشددت على أنه" لا مكان للحجاب الإسلامي في مجتمع حر، لأن الدعاية التي يروجها هذا الرمز تُعطل السلم الاجتماعي، وتشوّه سمعة الفتيات والنساء المسلمات اللواتي لا يرتدين الحجاب" على حد تعبيرها. وضمّتْ شتورش صوتها إلى أصوات العديد من ناشطات ونشطاء حقوق المرأة الداعيات والداعين إلى إطلاق "يوم لا للحجاب NoHijabDay".

ولعل ما يستدعي التوقف عند كلام هذه السياسيّة الألمانية هو أنها عضو في حزب معروف بمواقف أعضائه الشعبوية المعادية للمهاجرين. لكن الحالة تصبح مفهومة طالما أن موقف شتورش لا يسعى لحماية المحجبات من الحملات الاستغلالية والتسييس -كما يظهر- بقدر ما يُحمِّلهن المسؤولية وإن بأسلوب غير مباشر، ويضعهن في مواجهة بنات مجتمعهن "المتحررات".

من هنا تصبح بلاد المهجر وكأنها ساحة بديلة للحراك النسوي بعيداً عن البلدان الأم ونُظمها السلطوية الأبوية، ليصبح هذا الحراك بجهود الهاربات والناجيات أقرب لصراع بَينيّ نسائي-نسائي محكوم بتأثير القوى السياسية الغربية.

وفي حين تمكنت ناظمة خان من بناء شبكة تحالفات مع تيارات يُهمّها تنميط المرأة المسلمة، وتقديمها ضمن نموذج "المجتمع المتنوع"، فإن ناشطات في أماكن أخرى من العالم قد لا يَحظين بمَنْ يدعم ويموّل حملاتهن، ليقتصر الأمر على الاستثمار المؤقت في معارك اليمين واليسار والحسابات الانتخابية، وإمداد منتجي المنتجات المادية وغير المادية (صناعة النشر والميديا والموضة والأزياء) بنماذج وصوَر وقوالب نمطية جذابة لها مستهلكوها الباحثون عن "التخصيص" وفق لون بشرة او عرق أو انتماء، كي يَروا فيها ما يمثلهم أو يشبع فضولهم أو انتماءهم.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024