صراع طائفي بين النقابات و"المرئي والمسموع"..والشيعة يريدون حصة

نذير رضا

الأربعاء 2020/04/15
الوجه القانوني للصراع بين "المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع" مع نقابة المحررين، لا يلغي بتاتاً الصراع على الصلاحيات بين الطوائف، التي تمتد من الرئاسات الى الوزارات وإدارات الدولة، وشهدت أحد فصولها، خلال الأشهر الماضية، قضية صلاحيات الرئاسات، وانفجرت في جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي على خلفية حصص الطوائف من التعيينات في الإدارة.

في الشكل، يبدو التصعيد من قبل نقابة المحررين ضد "الوطني والمسموع" على خلفية أزمة البطاقات الصحافية للعاملين في الاعلام الالكتروني، قانونياً، رغم إيضاحه من قبل "المجلس" في مؤتمره الصحافي الاربعاء، لكنه يبرر السؤال عن خلفية التحرك الفوري لاستصدار بطاقات للعاملين في الاعلام الالكتروني من قبل النقابة، رغم أن الملف تعرض لأخذ وردّ في السابق، وأثمرت الضغوط عن منح بعض الصحافيين في هذا الميدان بطاقات انتساب الى نقابة المحررين. 

لا تورية في القول إن منطق المحاصصة بين الطوائف، هو قانون وعُرف في لبنان. تطبّعت الإدارة اللبنانية، في فئاتها الوظيفية كافة، مع هذا الواقع وتلك الأعراف. وانسحبت عليها صلاحيات تلك المواقع، بحيث باتت صلاحيات لطوائف. المساس بها، يعني المسّ بالطائفة. وتبديلها، لا يمكن أن يتم إلا وفق آلية توافقية قائمة على المداورة. 

المبدأ نفسه ينسحب على النقابات الإعلامية. وبالعُرف المعمول به منذ سنوات طويلة، تتولى موقع نقيب الصحافة، شخصية تنتمي الى الطائفة السنية. كما تتولى موقع نقيب المحررين، شخصية من الطائفة المارونية. كان الشيعة غير ممثلين في هذا الميدان، فجرى استحداث موقع تابع لوزارة الإعلام، ويتمتع باستقلالية معينة من حصة الطائفة في العام 1993، هو "المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع"، لكن هذا الموقع مُنح صلاحيات استشارية ملزمة، ولا يمتلك سلطة قرار. 

بقي الأمر على ما هو عليه، حتى انطلاق النقاش بقانون لتنظيم المواقع الالكترونية. وورَدَت ضمن المقترحات التي تمت مناقشتها في لجنة الاعلام النيابية، أن يتولى "المرئي والمسموع" مهام تنظيمها، والرقابة عليها. وتعثر إقرار القانون، لمزيد من الدرس، وبات في لجنة "الإدارة والعدل" الآن، قبل أن يُقرّ في اللجان المشتركة، تمهيداً لإقراره في الهيئة العامة لمجلس النواب. 

والحال أن المقترحات الموجودة في القانون، تعطي المجلس صلاحية قرار، تتخطى الصلاحية الاستشارية الملزمة الممنوحة له الآن في رصده لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة. بذلك، تكون الدولة قد منحت الشيعة، حصة في الهيئات الإعلامية، تعادل حصة السنة والموارنة في النقابتين، علماً أن المواقع الإدارية في المؤسسات التابعة لوزارة الاعلام، مقسمة طائفياً بحسب الأعراف (مدير الوكالة الوطنية، مدير عام وزارة الاعلام، مدير عام تلفزيون لبنان، مدير الإذاعة اللبنانية... وغيرها من المديريات والمصالح والدوائر في الوزارة). 

غير أن المقترح لم يتم إقراره حتى الآن. ما يعني أنه، من الناحية القانونية، ما زال حبراً على ورق، وما زال قابلاً للتعديل، وتخضع الصلاحيات المدرجة فيه للتوازنات الطائفية. وإثر انتشار أزمة "كورونا"، حاول "المرئي والمسموع" ملء هذا الفراغ القائم، وأصدر بياناً بعد اجتماعه باللجنة المؤقتة للمواقع الإلكترونية الاعلامية، الخميس الماضي، تضمّن عبارتين أشعلتا الصراع. الأولى، تتحدث عن أن "دور هذه اللجنة الموقتة مرحلياً، هو بمثابة نقابة". والثانية، تتحدث عن إجراء مرتبط بالدور الأول، بإعلانه عن "بطاقة أعطيت من المجلس الوطني للإعلام الى بعض المواقع". 

والحديث عن نقابة، استفز الكيانات النقابية الأخرى، بالنظر إلى أنه لا يمكن أن يُعتبر نقابة، تأخذ من "المحررين" بعض الصلاحيات. وعليه، فإن استصدار البطاقة هو من صلاحيات "المحررين"، أو وزارة الإعلام. لذلك، وأي استعجال لدور ما زال في طور الاقتراح، يُعدّ مساساً بصلاحيات نقابة، وبالتالي، "صلاحيات طائفة"، وهو ما يستدعي التحرك. 

جاء التحرك الأول عبر بيان ناري لنقابة المحررين، تحدث عن "تجاوزات للاجتهاد القانوني لمرجعية هذه المواقع". كما تحدث عن "تمادٍ عبر اللجوء الى إصدار بطاقات صحافية لهؤلاء من دون أي وجه حق، وفي تجاوز واضح لموقع نقابة محرري الصحافة اللبنانية". 

أما التحرك الثاني، فجاء عبر وزارة الداخلية، التي أصدرت بياناً قالت فيه ان "كل البطاقات الصادرة عن المجلس الوطني للاعلام بصورة استثنائية خلال العام 2020، لا تجيز لحاملها التنقل بصورة استثنائية في ظل التعبئة العامة في البلاد، إن لجهة تقييد حركة سير الآليات والسيارات بحسب ارقام لوحاتها أو لجهة التنقل بحسب المواقيت المحددة". وبالتالي، "فإن حاملي تلك البطاقات لا يمكنهم إستخدامها، وعليهم مراجعة وزارة الإعلام بهذا الخصوص لأخذ التوجيهات اللازمة". 

ردّ رئيس المجلس عبد الهادي محفوظ على تلك البيانات بالتفسير، قائلاً الاربعاء في مؤتمر صحافي إن المجلس سيقدم لوزير الداخلية كل المعلومات المطلوبة حول وضع البطاقات والتقارير والمواقع الالكتروني". وذكر محفوظ أن "المجلس هو المرجعية للإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني، وبالتالي هو لا يتدخل في أمر لا يعنيه".

وقال: "لنقيب المحررين الذي احترمه واحترم عمله، له الحق في المطالبة بتنسيب العاملين الى نقابة المحررين، ونحن مع هذا الموضوع. وعندما ندعو الى تشكيل تجمع عبر لجنة مؤقتة لإدارة المواقع الالكترونية، فهذا بمثابة محفز من جانبنا لدعم هذا الانتساب، والى توفير كل الضمانات الصحية والاجتماعية"، داعياً الى "التنافس الإيجابي بمعنى خدمة الناس والخبر الصحيح والمعلومة الدقيقة والابتعاد عن التشهير، وهذا ما نسعى اليه مع المواقع الالكترونية". واعتبر "ان الممارسة الاعلامية هي من شأن طرفين فقط في البلاد، وهما وزارة الاعلام والمجلس الوطني للإعلام". 

والحال إن هذا السجال، لا يلغي معركة الصلاحيات. ما هو واضح أنه في هذه الدولة، لا دور  للمؤسسات وعمل المؤسسات، وما يتحكم فيها عملياً هو منطق المحاصصة. ورغم الحديث عن استقلالية الحكومة، إلا أنها تذعن للمنطق السائد نفسه الذي كان قائماً. دور الطوائف ما زال حاكماً، كذلك الزعامات، ومنطق المحاصصة الذي حاولت ثورة "17 تشرين" إلغاءه، ولم تسجل نجاحاً ملموساً في ذلك، باستثناء ما حققه، تضامنياً وحقوقياً، "تجمع نقابة الصحافة البديلة" الذي تداعى إلى تكوينه صحافيات وصحافيون لبنانيون يحلمون بنقابة تضغط لنيلهم حقوقهم وتدافع عنهم، لا عن صلاحيات الطوائف ومصالح فئة متنفذة في المهنة والسياسة والدولة. حاولت الثورة، وما زالت تحاول، رغم حجر "كورونا"، إنتاج منطق مواطنة عادلة، وتفعيل عمل المؤسسات خارج القيد الطائفي، واصطدمت بفئة كبيرة من الطبقة السياسية تقف ضد منطق المواطنة والدولة المدنية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024