طرابلس المنكوبة باهتزاز التسوية الرئاسية

نذير رضا

الأربعاء 2019/06/05
للمرة الأولى منذ العام 2014، تخسر طرابلس التفافاً وطنياً حول نكبتها. وللمرة الأولى منذ التسوية الرئاسية، يتفلت الضابط السياسي من عقاله، وتخسر طرابلس أيضاً حشداً شعبياً ضرورياً يجمع اللبنانيين من كافة الأقطاب لتضميد جرحها.

فالتحشيد السياسي الذي ظهر بعد العملية، أحيا الإنقسامات اللبنانية حول جرح كان يتوقع أن يمثل حافزاً لمكافحة التطرف العنيف والوقاية منه، وهي مهمة اتسمت بالصعوبة في ظل تسييس الجرح والصراع على مداواته، وكأن خياطة الجرح اختصاص واحد من طرفين، أولهما تيار "المستقبل"، وثانيهما "التيار الوطني الحر".

لم تجمع المصيبة اللبنانيين، كما يفترض في الأزمات الوطنية. فقطبا التسوية الرئاسية، تمددت صراعاتهما في محاولة لتبني العلاج، وإعلان أبوّة التطبيب. تصريحات وزير الدفاع، والرد عليه من مصادر حكومية، أظهر أن تمديد الخلافات السياسية يحتل أولوية على تضافر الجهود. ولم يبق أمر الصراع السياسي على أبوة العلاج، ومحاولة احتساب الأجهزة الأمنية والعسكرية على الطوائف المتصارعة في السلطة، سراً، وهو أمر تداركته وزيرة الداخلية ريا الحسن قبل ان يشدد عليه الرئيس ميشال عون حين ترأس الاجتماع الأمني.  

طمر الاجتماع الأمني الخلاف السياسي، على الأقل جزئياً، وكشف عن الجهود لتوحيد الجهود الأمنية. لكنه على الصعيد الشعبي، لم يلغِ الخلاف ولم يحتوِه. 

فما ورد في مواقع التواصل من اتهامات واحياء لدفاتر الماضي، واستيلاد التهم الجاهزة والأحكام المسبقة، استدرج ردوداً مقابِلة، حتى انزلق الخلاف إلى مقاربات طائفية، هي الأسوأ في الأزمات الوطنية، خلافاً لما تقتضيه أصول إدارة الأزمات المحلية وخصوصاً في الجانب المتعلق بالإرهاب والتطرف العنيف. 

والحال ان مقاربات غير جامعة، هي رجع صدى لخلافات سياسية. لم يعرف لبنان انقساماً شعبياً سوى على خلفية سياسية. حتى الخلافات الطافية والمذهبية، كانت لها استثناءاتها، على قاعدة أن البلد يحلق بأجنحته الانسانية، وهو ما يظهره الالتفاف الانساني لتضميد جراح الجيش وقوى الامن الداخلي بعد الهجوم الارهابي ليل الاثنين – الثلاثاء. 

خسرت طرابلس هذا الاجماع يوم الإثنين، لأن العملية الارهابية جاءت بعد أيام من تجاذب خطير بين طرفي التسوية الرئاسية. هذا التجاذب والتباين والردود المقابلة، لم يشهدها لبنان بين الطرفين منذ التوصل اليها. كانت تهتز، سراً، ولا تسقط. اليوم تهتز في العلن، وتتأرجح في مواقع التواصل الاجتماعي بين أنصار التسووييْن. تحول وزير الدفاع الياس بو صعب، الى ذريعة للانقضاض على "التيار الوطني الحر". كما تحول اللواء أشرف ريفي الى ذريعة للانقضاض على "المستقبل". وبين الطرفين، لم تجد طرابلس ما يلم جرحها، ومن يخيطه. 

طرابلس هنا، ضحية عملية ارهابية، وضحية انقسام سياسي ينسحب على الفئات الشعبية. كانت صعدت كالمارد من رماد الانقسام، حين تشكلت حكومة الرئيس تمام سلام في 2014، وشملتها الخطة الأمنية. أما اليوم، فهي تدفع ثمن التجاذب الداخلي، الذي تعددت روايته وأسبابه، فيما تبقى الأجهزة العسكرية والأمنية على جهوزيتها لتضميد الجرح وحماية دم اللبنانيين.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024