تلميذ شربل نحاس مُنظِّراً سياسياً.. طموح جاد غصن

مريم سيف الدين

الثلاثاء 2021/05/04
بعد ردود الأفعال في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أثارتها دعوته "حزب الله" كي يحكم لبنان، اضطر الإعلامي جاد غصن للظهور مساء الاثنين، في مقابلة عبر "تلفزيون الجديد"، مكان عمله السابق، لشرح موقفه مجدداً.

لكن الشرح الذي طال، بدا أسوأ من الطرح نفسه. تذرع غصن بأن غاية البعض من التصويب على سلاح الحزب، تقسيم الناس بين ثنائية 8 و14 آذار.  لكنه بنفسه يلجأ إلى حشرهم في هذه الثنائية بناءً على مواقفهم منه أو من طرحه أو من سلاح الحزب، وبذلك يستثمر هو نفسه في هذا التصنيف.


يطرح غصن نفسه كصحافي مستقلّ، لكنه يعمل أيضاً كمنظّر سياسي. في موضوع "حزب الله" يتبنى سردية الحزب عن "المقاومة" و"انتصاراتها"، ويختزل المقاومة في الحزب. ينزهه عن السلطة وارتكاباتها. يتناسى أن الحزب استخدم قوته لقمع الانتفاضة منذ بدايتها، يوم تقدمتها المطالب المعيشية. يفوته أن "حزب الله" حرص على إبقاء الوضع على ما هو عليه، ولا يرى سلاحه إلا مقاوِماً، رغم أنه استُخدم في الداخل. يفلسف النظريات التي تدافع عن الحزب باسم الموضوعية وفتح النقاش معه.

حتى قضية اغتيال لقمان سليم، لم تسلم من فلسفة غصن. فهو يخرج الجريمة من سياقها ومن مسرحها، ليربط الاغتيال بالفساد والمحاصصة. يعود إلى ثنائيته، يتهم "8 و14" بالجريمة التي حصلت في منطقة خاضعة لنفوذ الحزب!

بذلك يحمل الشاب في خطابه السياسي، في طرحه وفي تبريره له، كل ما يحلم أن يجده الحزب في إعلامي من طائفة أخرى، قد يُحسَب على "قوى التغيير" ولا يحسب عليه. ومن مشاكل طرحه أنه لا يفهم تركيبة المجتمع الذي يهيمن عليه الحزب. يغرق أحياناً في الحديث عن "8 و14" ويتناسى أن انتفاضةً حدثت في تشرين الاول 2019 أخرجت خطاباً جديداً من خارج الثنائية التي يكررها. هي نفسها الانتفاضة التي استضاف خلالها، مع زميلته سمر أبو خليل، الوزير السابق جبران باسيل ومنحاه منبراً مدته 4 ساعات متواصلة لتبييض صورته بعدما نبذه المنتفضون.

يتجاهل غصن التغيير الذي طرأ على البيئة الشيعية بعد الانتفاضة، وأن جزءاً مهماً ممن كانوا يؤيدون الحزب، قد انفكّوا عنه، ومنهم من بات غير مكترث لمسألة السلاح، وآخرون أدركوا هيمنته على يومياتهم.

تجربة تستحق المتابعة
هذه المواقف والنظريات يطلقها غصن عبر قناته الخاصة في "يوتيوب"، ويسوّق لها عبر صفحاته في "تويتر" و"فايسبوك". فبعد إفساد طموحه بالانتقال إلى "الشرق بلومبرغ"، لم يعد غصن إلى العمل في "الجديد"، فلا "فريش دولار" هناك ولا راتب يفيه جهده. لكن "الجديد" ظلت تفتح منبرها له وتستضيفه كمحلل.

وبالإضافة إلى عمله مع ألبير كوستانيان في إعداد برنامج "عشرين 30"، على شاشة الـ"أل بي سي"، أطلق غصن تجربته الخاصة وبرنامجه الخاص في "يوتيوب". وبهدف تأمين تمويل للاستمرار في إعداد المحتوى وإجراء المقابلات، أطلق حملة عبر منصة "باتريون". ورغم حملة الدعم التي أطلقها أنصار حركة "مواطنون مواطنات في دولة (ممفد)"، وإعلاميون، لدعم غصن، غير أن عدد المشتركين لم يتجاوز الـ300 وقاربت التبرعات الـ2000 دولار.

ويُحسب لغصن أنه، ورغم أرقام مشتركي "باتريون" المتدنية حتى الآن، عرف كيف يطرح عمله عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليجذب جمهوراً إلى قناته في "يوتيوب". ويعينه في ذلك جيش من الـ"ممفد"، يهللون ويصفقون للإعلامي الشاب كونه من أبرز حاملي طرح حركتهم.

وفي لعبة "الرايتينغ" حاول غصن استغلال انتقاد الناشط جينو رعيدي، لموقفه من حزب الله، فدعاه إلى مناظرة. لكن جينو رفض المناظرة بحجة أنه لا يعطي منبره لـ"ممانعجية"، ففوّت على غصن فرصة لطرح حلقة مثيرة.

شربل نحاس الأب الروحيّ
قبل الترويج لمنصته، نجح الشاب الطموح خلال الفترة السابقة بالبروز من خلال شرح القضايا الاقتصادية بشكل مبسط. وصار بذلك محطّ إعجاب ناشطين وصحافيين آخرين أقل منه دراية بهذه المسائل. لكن خلف ثقافة غصن هذه، يقف تقني بارع هو أشبه بوالده الروحي في الاقتصاد والسياسة، وهو الوزير السابق شربل نحاس، مؤسِّس "ممفد".

لسنوات، مدّ نحاس غصن بالمعلومات اللازمة ليفهم قضايا الاقتصاد والموازنة وغيرها. يجلس غصن كتلميذ مجتهد، يفهم الدرس جيداً، ومن ثم يقدمه لجمهوره بشكل أسلس وأسهل مما يفعل أستاذه.

وفيما ينجح خطاب نحاس في تشخيص الأزمة الاقتصادية، يفشل طرحه السياسي ويجعله عرضة لانتقادات كثيرة. ومن يعرف الرجلين ويراقب غصن يشعر أحياناً أنه يتشبه بنحاس في الخطاب والطرح، وحتى بشيء من شخصيته.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024