2016: اكتمل الانحياز الإعلامي للمرأة.. وتحققت إنجازات

بتول خليل

الخميس 2016/12/29
تاريخ طويل من النضال خاضته المرأة في لبنان سعت من خلاله إلى جعل مطالبتها بحقوقها ودفع التمييز الذي تتعرض له، قضية تتصدر اهتمام الرأي العام، ما جعل المجتمع المدني والإعلام يسعى إلى جانبها مع مواكبة من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف إيصال صوتها وجعله مسموعاً لدى أصحاب القرار، في معركة توارثها أكثر من جيل لتبلغ ذروتها العام الحالي.

تميز العام 2016 بالدور البارز الذي اضطلع فيه الاعلام اللبناني، إثر تبنيه قضية حقوق المرأة وإلقاء الضوء على مطالبها، واضعاً يده في أيدي الجمعيات والمنظمات الحقوقية بإفراده مساحة للقيادات النسوية والحقوقية المتابعة لمختلف الملفات ومشاريع القوانين المطروحة لتوضيح الإشكاليات وإبراز العقبات والتحديات التي تحول دون الوصول إلى الأهداف التي يسعون إليها. إلا أن أكثر ما كان لافتاً هذا العام التركيز على القصص والحالات الفردية ومتابعتها حتى نهايتها، مع جعلها الشغل الشاغل للرأي العام، وحوّلها إلى قضايا قضّت مضاجع المعنيين في السلطات وشكلت إحراجاً كبيراً للمتشبثين بالتشريعات الخشبية التي تقونن العنف ضد النساء تحت غطاء الدين، ما جعل الكثير من الأصوات تعلو مطالبة بثورة على النهج السياسي والاجتماعي تعيد التوزان والمساواة في الحقوق على أساس عدم التمييز بين الجنسين.

وشهد العام 2016 حلقات متتابعة من الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة وتهضم حقوقها، في ظل استمرار غياب التشريعات القانونية في هذا الإطار، والتي ما زالت خاضعة لسلطة المحاكم الدينية المنفصلة عن القضاء المدني، مع ما ينتجه ذلك من شرعنة العنف الأسري والاغتصاب الزوجي وحرمان الأم من حضانة أطفالها وغيرها من الممارسات التي يمكن القول إن الإعلام بنوعيه التقليدي والاجتماعي، نجح إلى حد بعيد في إخراجها من صيغتها الفردية والشخصية، لتحويلها إلى قضايا عامة تناقش حيثياتها وإشكاليتها عبر مختلف منابر السياسة والإعلام والشبكات الاجتماعية.

الخلل البنيوي الذي كان يشوب أسلوب مقاربة الإعلام سابقاً لقضايا النساء وما يتعرضن له، تم إصلاحه إلى حد ما هذا العام، بعدما أدركت غالبية وسائل الإعلام مسؤوليتها، وأدت دورها المتمثل بكونها رافعة للقضايا الحقوقية الكبرى من خلال إعادة تصويب النقاش وتحويله إلى المسار الصحيح تلبية لجملة من المطالب المحقة، خصوصاً في ظل الأرقام التي قدمتها جمعية "كفى عنفاً واستغلالاً"، والتي أشارت إلى أن عدد النساء اللواتي يبلغن الجمعية عن العنف الممارس ضدهن ويطلبن حمايتها ارتفع من حوالي 290 حالة إلى حوالي الألف. وذلك عقب صدور قانون تجريم العنف الأسري العام 2014، وما استتبعه من قرارات الحماية من قبل القضاة، ما شجع النساء على التقدم بشكاوى ضد معنفيهن في الأسرة، سواء كان الزوج أو الأب أو الأخ أو غيرهم. وهذا ما لم يكن ليتحقق لولا الحملات الاعلامية وتغطية وسائل الاعلام التي كان لها الدور الأهم في التوعية، وأدى إلى تضافر الجهود وتكاملها في هذا الإطار، خصوصاً لناحية تسليط الضوء على القصور الذي يعتري هذا القانون بما يحمله من ثغرات تستهدف المرأة بوجه خاص، بدءاً من تسميته بـ"قانون حماية الأسرة من العنف الأسري" والذي يغمز ضمناً إلى إمكانية تحميل المرأة المسؤولية عن هذا العنف بالتساوي مع الرجل، ما اعتبره كثيرون تجاهلاً لكل الوقائع التي تشير إلى حصول العنف من جهة الرجل في كامل الحالات، مروراً بعدم إدراجه مواد تجرّم الاغتصاب الزوجي، ما يشير إلى إجازة هذا الجرم بحجة عدم وجود مسوغ ديني يدينه، واضعين اياه ضمن مندرجات "الحقوق الزوجية" للرجل، وصولاً إلى مشكلة سن الحضانة الذي لم يتم تعديله في غالبية قوانين الأحوال الشخصية (العائدة إلى المرجعيات الروحية للطوائف).

من أبرز الثغرات التي برزت لجهة عدم تعديل سنّ الحضانة كانت قضية فاطمة حمزة، والتي سُجنت بإيعاز من المحكمة الشرعية الجعفرية بعد رفضها تخليها عن حضانة ابنها البالغ من العمر 3 سنوات، لتعود وتنال حريتها نتيجة ضغط الرأي العام عبر الاحتجاج على الأرض وفي مواقع التواصل من خلال حملة "مع فاطمة ضد المحكمة الجعفرية" والاهتمام الكبير الذي أولاه الإعلام للقضية، ما أدى إلى تدخل سياسي عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري من أجل إطلاق سراحها. وبالرغم من اتهامات المحكمة الجعفرية لوسائل الإعلام بالتشويه وتزوير الحقائق، إلا أن الاعلام استمر بدعمه لفاطمة وقضيتها معتبراً أنها تمثل قضية كل النساء المحرومات من حضانة أطفالهن.

قضية فاطمة حمزة تتابعت فصولاً من خلال برنامج "علم وخبر" الذي تقدمه الإعلامية غادة عيد عبر شاشة "إم تي في"، والتي ألقت فيه الضوء على انقلاب المعايير الإنسانية والحقوقية من خلال حكم صادر عن محكمة شرعية، وهو الحكم الذي أشارت المحللة النفسية رندا شليطا في مقابلة لها مع الإعلامي زافين قيومجيان إلى أنه "ذكّرنا بأننا نعيش في مجتمع منفصم على نفسه". المجتمع ذاته خاطبته قناة "الجديد" في مقدمة نشرتها الإخبارية بقولها لأهل السياسة والمجتمع:" قبل أن تشكلوا حكومتكم وحتى لا يفتتح عهدكم بظلم الناس، أنظروا قليلا خارج نوافذكم السياسية واستشيروا الشارع المحكوم بقوانين عفنة بالية لفظها العثمانيون وما زلنا نحتفظ بغبارها. فاطمة حمزة أم المعارك اليوم، المرأة التي دفعت فاتورة عاطفتها وأمومتها أرديت سجينة بتهمة الأمومة الزائدة والحضانة التي أرادتها حضناً لطفل الأعوام الثلاثة...".

إنجاز آخر سُجل للمجتمع المدني ومعه الإعلام والحراك الالكتروني تمثل بقرار لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات والتي تنص على أنه "إذا خطف رجل امرأة أو فتاة أو ارتكب فعلاً منافياً للحشمة أو اعتدى عليها أو اغتصبها، تتوقف الملاحقة بحقه إذا عقد زواجاً صحيحاً، وإذا كان صدر حكم بالقضية عُلّق تنفيذ العقاب الذي فُرض عليه". إلا أن الغاء العمل بهذه المادة ما كان ليتم لولا الضغط الإعلامي وعلى رأسه الحملة التي أطلقتها منظمة "أبعاد" بعنوان "الأبيض ما بيغطي الاغتصاب" والذي تضمّن فيديو كان بمثابة صدمة تصوّر آثار الاغتصاب ومعنى أن يتم تزويج الضحية من مغتصبها. وفيما انتشر الفيديو بشكل واسع في مواقع التواصل، أعادت القنوات اللبنانية بثه عشرات المرات مرفقة إياه بتقارير إخبارية تلقي الضوء على القضية والنتيجة التي آلت إليها، مدرجة إياها تحت عناوين مثل: "المادة 522 إلى الجحيم" و"إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات إلى غير رجعة" و "الغاء المادة 522.. حتى لا يكون الاغتصاب شرعياً" و"المرأة المكسورة تنتصر..مغتصبي لن يصبح زوجي".

لا تنتهي القضايا الخاصة بالمرأة عند هذا الحد أو ذاك، فالمعركة طويلة وتحتاج إلى عزيمة وإصرار كبيرين للوصول إلى حق منح المرأة اللبنانية جنسيتها لأطفالها وزوجها، وتمثيلها السياسي من خلال إقرار الكوتا النسائية، ومنع زواج القاصرات، وتجريم التحرش، وغيرها من القضايا. ومهما بلغت قوة الحملات الاعلامية والخطاب الاعلامي والضغط عبر مواقع التواصل من مبلغ، فإن ذلك كله سيبقى مجرد صوت يحتاج إلى قوانين وتشريعات وثقافة اجتماعية ليصبح واقعاً فعّالاً واجب القبول، ما يستوجب تغييراً لمنظومة الأعراف الاجتماعية والثقافية لإحداث خرقٍ يفرض التغيير على المناخ السياسي الذي بدوره تقع عليه مسؤوليات إتمام هذه الإنجازات.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024