فرنسا ترضخ لطلبات السفارة المصرية

حسن مراد

الجمعة 2019/03/29
في 23 من مارس/آذار الجاري، افتتح في باريس معرض" توت عنخ آمون.. كنز فرعون"، حيث تُعرض 150 قطعة أثرية وجدت في قبر هذا الفرعون. كان يفترض بهذا المعرض الحفاظ على طابعه الثقافي، لا سيما للمساهمة الكبيرة للعلماء الفرنسيين في علم المصريات (Egyptology) ، لكن يبدو أن القيمين عليه كان لهم رأي مغاير.
 بعد يومين على افتتاح المعرض، نشر مراسل "التلفزيون العربي" في باريس، محمد الحاجي، منشوراً له في فايسبوك قال فيه: "لتصوير تقرير عن معرض توت عنخ آمون في باريس، والذي تنظمه فرنسا، يجب أن تحصل القنوات العربية حصراً على موافقة سفارة مصر في باريس، والتي تدرس طلبات الصحافيين فرداً فرداً، وهي فقط من يُقرر. هذا كان جواب المسؤول الإعلامي (الفرنسي) للمعرض. على كل حال، نال منّي ما يستحق من دروس حرية الصحافة والتعبير والمهنية. إنه زمن ماكرون اللعين...".

وأتبع الحاجي كلامه، بعد بثلاثة أيام، بصورة عن الرد الذي وصله من المسؤول الإعلامي عن المعرض يعتذر فيه عن منحه اعتماداً صحافياً من دون أي توضيحات.

وشرح الحاجي في اتصال مع "المدن" تفاصيل ما جرى، فأكد تقديمه طلب التصوير عبر البريد الالكتروني، ليتلقى بعد ذلك رسالة من المكتب الإعلامي للمعرض للاتصال بهم، وتم إبلاغه، شفهياً، تحويل الطلب إلى الجهة المختصة.

وطرح الحاجي علامة استفهام حول خلفية هذا الإجراء غير الاعتيادي، لا سيما أن المكتب الإعلامي اكتفى بإبلاغه الأمر شفهياً من دون ترك أي دليل خطي. وتزايدت شكوكه بعد تلقيه رسالة الاعتذار من المكتب الإعلامي للمعرض، وليس من السفارة المصرية ما يدلّ، برأيه، على نية لطمس الحقيقة.

وعلى اعتبار أن سبب الرفض لا علاقة له بالإجراءات الإدارية المتبعة، والتي كانت مستوفية لكل الشروط، يعزو مراسل "العربي" الأمر الى خلفيات سياسية: فـ"التلفزيون العربي" يهتم بتسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان في مصر، ما يعني أن منعه من التصوير في المعرض بمثابة رد على الخط التحريري للقناة، وهو أمرٌ يثير الاستغراب لأن تغطية فعاليات المعرض لن تكون إلا من زاوية ثقافية، فلماذا تفرض قيود سياسية على الصحافيين؟

يضيف الحاجي أنه مع رفض منحه هذا الاعتماد الصحافي، أخذ الموضوع أبعاداً تتجاوز الموقف المصري من الدوحة، أي الجهة الممولة "للتلفزيون العربي". ويرى الحاجي في الأمر تعدياً على حريته كصحافي، لا سيما مع إتاحة المجال لقنوات أخرى، مثل "الغد" الإماراتية، إعداد تقارير عن المعرض، مؤكداً العزم على رفع الموضوع للنقابات الصحافية.

وبادرت "المدن" للاتصال بالمكتب الإعلامي للمعرض الذي أكد على كلام الحاجي عن ضرورة استحصال القنوات العربية -حصراً- على موافقة السفارة المصرية من خلال مكتبها الصحافي في باريس. وعند السؤال عن أسباب هذا التمييز بين القنوات العربية وغير العربية، نفى المكتب علمه بالخلفيات، مضيفاً أنهم اكتفوا بتلقي هذه التعليمات، طالبين التوجه للمكتب الصحافي التابع للسفارة المصرية للحصول على التوضيحات اللازمة.

وبناءً على طلب المكتب الصحافي للسفارة المصرية، تم التواصل عبر البريد الالكتروني بغية الحصول على التوضيحات اللازمة، لكن من دون أي رد منهم رغم الإلحاح.

والحال أن طرح علامات الاستفهام أمرٌ مشروع، فما جرى يعتبر سابقة لا سيما أن المعرض يقام على الأراضي الفرنسية، ما يدفعنا أيضا للتساؤل عن الجهة الرسمية الفرنسية التي منحت تلك الصلاحية للسفارة المصرية، صلاحية أثارت استغراب كل من اطّلع على الموضوع من الصحافيين الفرنسيين. وما عزز الشكوك في وجود قطبة مخفية، المصالح الاقتصادية التي باتت تربط فرنسا بمصر في السنوات الأخيرة، ما يعني أن مغازلة باريس للسلطات المصرية غير مستبعدة.

وما يضاعف الشكوك حيال دور رسمي فرنسي في ما جرى، هو الاصطدام المتكرر بين ايمانويل ماكرون والوسائل الإعلامية.

فقبل عام، أبلغ "الإليزيه" مجلة Society، رفضه منحها أي لقاء مع الرئيس الفرنسي في المستقبل، على خلفية مقابلة أجرتها المجلة مع ماكرون حاول على أثرها الإليزيه التدخل في صياغة المقابلة وهو ما رفضته المجلة بصورة قاطعة.

وأخيراً، انشغل الوسط الإعلامي بقرار الرئاسة الفرنسية إغلاق المكتب المخصص للصحافيين داخل الإليزيه ونقله إلى مبنى آخر محاذٍ للقصر الرئاسي. ولم يقتنع الصحافيون بالحجج المقدمة بهذا الخصوص، إذ عللت الرئاسة الفرنسية الأمر بصغر مساحة المكتب، ما يعيقها عن توفير الإمكانات اللوجستية للصحافيين الذين تزداد أعدادهم. 

في المقابل، اعتبر الصحافيون أن تواجد المكتب داخل الإليزيه يحمل بحد ذاته رمزية، إذ يدل على احترام حرية الصحافة وصونها، فيما إبعادهم خارج الاليزيه من شأنه عرقلة عملهم.

ولعل أبرز ما يمكن ذكره في هذا السياق هو الكباش الذي دار بين ماكرون من جهة، ووكالة Sputnik وقناة RT الروسيتين من جهة أخرى، والذي بلغ مداه مع منع مراسليهم من دخول الإليزيه مطلع العام الماضي، قبل أن يعاد السماح لهم بدخول القصر الرئاسي بعد نحو عشرة أشهر.

قد يعزو البعض سبب هذا الإجراء غير الاعتيادي إلى مغازلة باريس للقاهرة، حفاظاً منها على مصالحها الآخذة في النمو، لا سيما أن الرئيس الفرنسي لا يبدو حريصاً على صون حرية العمل الصحافي، كما يقول معارضوه من الصحافيين. وإذا ما صح هذا الاعتقاد، فهو تأكيد على أن فتح ماكرون لملف حقوق الإنسان، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، لم يكن إلا ذراً للرماد في العيون. 


©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024