اسرائيلي من أصل لبناني يخشى على مفاوضات الترسيم..ويقترح حلولاً

أدهم مناصرة

الأحد 2020/11/15
 
"مَن يُعرّض المحادثات مع لبنان للخطر هي إسرائيل".. ربما تنبع أهمية هذه الجملة من كونها جاءت على لسان إسرائيلي هو  يتسحاق ليفانون الذي عمل في السلك الدبلوماسي وسفيراً للدولة العبرية لدى مصر بين عامي 2009 و2011.

 السبعيني ليفانون مولود في لبنان في العام 1945، وهو ابنٌ لتاجر يهودي لبناني ووالدته الجاسوسة شولاميت كوهين كيشك التي اعتقلت في لبنان عام 1961 بعد أن عملت لمصلحة المخابرات الإسرائيلية مدة 15 عاماً، ونشطت أساساً في هجرة اليهود من لبنان وسوريا ودول عربية أخرى إلى إسرائيل. 

وفي حينه حكم عليها بالإعدام، ثم خفف الحكم للسجن لسبع سنوات وأطلق سراحها في إطار صفقة تبادل أسرى بعد حرب العام 1967. وقد سبقها أولادها بالهجرة سراً إلى إسرائيل.
وينتقد ليفانون في مقال كتبه في صحيفة "معاريف"، تسريبات جهات إسرائيلية لوسائل إعلام عبرية عن جوهر المفاوضات مع لبنان حول ترسيم الحدود البحرية، معتبراً أنها تعرقل المفاوضات ويمكن أيضاً أن تضر بفرص تسوية سريعة.

ولأنّ الاسرائيلي ليفانون متحدث جيد للغة العربية، فقد ظهر وكأنه متابع جيد لوسائل الإعلام اللبنانية وخصوصاً الشاشة المستطيلة لدرجة أنه برّأها من تهمة التسريب المُخلّ بالمفاوضات؛ إذ قال:  "تابعتُ وسائل الإعلام اللبنانية منذ بدء المحادثات، ووجدتُ تقارير مقتضبة عن الأجواء، ومواعيد الجلسات، من دون أي ذكر لجوهر المحادثات داخل خيمة الناقورة".

لكنّ لوم ليفانون للتسريبات الإسرائيلية في عمقه ليس بعيداً عن "دق الأسفين" في الداخل اللبناني، وتجلى ذلك بتحذيره من أن التسريبات القادمة من تل أبيب تساعد "الثّنائي الشيعي"المتمثل في حزب الله وحركة أمل بمضاعفة تأثيراتهما على وفد لبنان الذي جاء إلى المفاوضات مع توتر داخلي غير قليل، "وكلاهما (أي نصر الله وبري) ينتظران فرصة للمس بالمحادثات وعلينا ألا نساعدهما"، حسب تعبيره.

والحال، أن جزم ليفانون بشأن حتمية تعثّر المفاوضات بدفع من "حزب الله"، بدا مجرد احتمال إذا ما قرأنا خلف السطور تصريحاً أدلى به "قائد فرقة الجليل" في الجيش الإسرائيلي العميد شلومو بندر لصحيفة "إسرائيل اليوم"، عبّر فيه عن اعتقاده "بأن هناك نية لدى الطرفين لتسوية هذا الموضوع، لكن هذه الفرصة يمكن أن تضيع بسرعة إذا قرر حزب الله إشعال النيران هنا والتصعيد".. ثم استدرك، قائلاً: "إن سلوك حزب الله في الأشهر الأخيرة يشير مجدداً إلى أنه تنظيم عقلاني في عدم تصعيد الميدان". 

ويتابع شلومو بندر: "حقيقة أن حزب الله لا يتحرك عاطفياً دليل على أنه يقوم بتقييمات للوضع، ويأخذ في الحسبان اعتبارات واسعة، مثل الوضع الاقتصادي في لبنان، وايضا المفاوضات الجارية مع إسرائيل على ترسيم المياه الاقتصادية؛ لأن المقصود فرصة غير عادية للبنان للحصول على مليارات الدولارات الموجودة تحت سطح البحر".

لم ينسَ السفير يتسحاق ليفانون التطرق إلى نشر خرائط "استفزازية" قدمتها إسرائيل رداً على خرائط لبنان، ما يُدخل الطرفين في دفاع عن مواقفهما من الصعب الخروج منه، على حد تعبيره.

بيدَ أنه كدبلوماسي حاول أن يعتبر المواقف الصعبة تكتيكاً كأي مفاوضات بحيث يبدأ بطرح مطالب قصوى ثم يتراجع الطرفان عنهما شيئاً فشيئاً بما يتلاءم مع تطور النقاشات إلى أن يصلا إلى تسوية. لكنه يخشى من أن مشكلة التسريبات الإعلامية في مرحلة مبكرة من المحادثات مربكة وتسبّب تشدداً في المواقف لا لزوم له.

وينصح ليفانون الوفد الإسرائيلي بأن "يوضح في الاجتماع المقبل للجانب اللبناني أن ما ينشره الإعلام الإسرائيلي لا يعكس موقف إسرائيل. ويجب أن نوضح للبنانيين ألّا يقعوا في خطأ التسريبات. وأن تبقى النقاشات داخل جدران الغرفة والامتناع عن استخدامها لأغراض سياسية".. مشيراً الى أن تسريبات المحادثات تُصعّب أيضاً مهمة الوسيط الأميركي والراعي الأممي، وتطيل الوقت للتوصل إلى تسوية. وأن الدبلوماسية الصامتة البعيدة عن التسريبات هي أكثر فعالية.

"ترسيم الحدود، عندما يحصل، لا يكفي لطمأنة الطرفين". هُنا يتحدث السفير ليفانون عن فخ آخر حتى بعد الاتفاق المفترض حول ترسيم الحدود. ويتمثل بصعوبة لدى كل طرف في استخراج الغاز والنفط في المنطقة المتنازَع عليها لأن هذه الثروات في قاع البحر، ومن المحتمل انزلاقها من طرف إلى آخر. 

للتغلب على ذلك طُرحت فكرة لا تزال غير ناضجة- بحسب ليفانون- مفادها أن تقوم شركة توتال، التي تعاقد معها لبنان، باستخراج الغاز في المثلث البحري المختلَف عليه، وأن توزعه بين الطرفين بحسب توزيع متفَّق عليه. هذا يُسمى "تعاوناً لبنانياً – إسرائيلياً" بمساعدة طرف ثالث. وهذا أيضاً "مدخل لاتصالات مستقبلية يمكن أن تتطور في ظروف معينة إلى واقع آخر بيننا وبين لبنان، جارنا في الشمال"، يقول ليفانون.

والتجول في عموم الصحف وشاشات التلفزة الاسرائيلية، يقود الى أن تصلب المواقف وتشنجها لدرجة التوتر في جلسة المفاوضات الأخيرة، لا تعني بالضرورة فشل المفاوضات، من منطلق وجود مصلحة إسرائيلية ولبنانية في التوصل إلى نتيجة مقبولة من الطرفين. وهو ما أكده الباحث الاسرائيلي في شؤون الشرق الاوسط ايال زيسر حينما تحدث عن "حتمية الاتفاق رغم التعقيدات"؛ لأن الاتفاق، من وجهة نظره، مصلحة لبنانية بالدرجة الأولى وإلا فإن بيروت ستكون أمام خيارين "الفوضى أو الاتفاق واستثمار الغاز".

ويعتقد زيسر أنه "بقليل من التسريبات ومواقف متصلبة أقل وضغط أميركي على لبنان سيتم التوصل لنوع من التسوية".

 لكن النظرة التفاؤلية لدى بعض المحللين الاسرائيليين، سرعان ما تتلاشى عند الخوض في قراءات معهد "أبحاث الأمن القومي" في إسرائيل؛ إذ زعم أن "الوفد اللبناني متأثرٌ باملاءات حزب الله"، فيما تريد اسرائيل فرض موقفها التفاوضي على لبنان.

 ويحذر باحثو "الأمن القومي" من أن الفترة الانتقالية الأميركية على ضوء الانتخابات، تحمل مرحلة خطيرة؛ ذلك أنها "تأتي بجس نبض وتصعيد وعرض عضلات من قبل أطراف متنازعة"، معتبرين انه هذه المرة، تعرقل إيران عبر حزب الله تقدم مفاوضات الترسيم، ما يعزز المواقف المتباينة، ويقود إلى "أجواء تصعيدية من قبل حزب الله" خلال هذه الاشهر، وفق ادعائهم.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024