الهجرة في قوارب الموت كبديل عن الثورة

المدن - ميديا

الأحد 2020/09/06


لم يعد اللبناني قادراً على رؤية أي أفق، لم يعد قادراً حتى على الحلم بمستقبل يضمن له على الأقل الحد الأدنى من الحقوق. قضى انفجار المرفأ على كل ما تبقى من أمل لدى شريحة واسعة آمنت بالتغيير. الكثيرون لا زالوا عاجزين عن تخطي الصدمة، بقوا عالقين في الرابع من آب، رافضين الواقع الجديد الذي وصل إليه البلد. 

فالانتصارات الصغيرة التي حققها الشارع منذ 17 تشرين إلى اليوم، لجهة اسقاط حكومة سعد الحريري، ثم حكومة حسان دياب، واسقاط مشروع سد بسري، هي انجازات غير كافية لبث الأمل مجدداً إذا ما قورنت بحجم الآمال المعقودة وحجم الخسائر التي تكبدها البلد في المقابل. 
ويرصد ناشطو مواقع التواصل اللبنانيون هذا اليأس، من خلال مجموعة أحداث تتسارع. فقد عادت الأسعار للإرتفاع مجدداً، وعادت أزمة المحروقات للظهور مجدداً وقريباً سنرى الناس تتجمع من جديد أمام محطات الوقود.

أزمة الكهرباء والمولدات الكهربائية الخاصة تعود بدورها إلى أزمتها المعهودة، إذ بدأت أسعارها بالارتفاع والتقنين يشتد حدة. يتحدث ناشطون عن وضع أمني يتدهور يوماً بعد آخر، وعن جرائم قتل بالجملة، بموازاة انتشار مرض كورونا فيما المستشفيات تطلق صافرات الإنذار. 
يوماً بعد آخر يزداد البلد انحداراً داخل هوة لا قعر لها. مع ذلك، لا توجد سوى تحركات خجولة في الشارع بين حين وآخر، دلالة على أن اللبناني، سلم أمره للقدر، بات موقناً تماماً أن ليس أمامه إلا قدره وأن لا مكان للهرب.
فوق كل ما وصل إليه اللبناني، كثر مؤخراً الحديث عن رفع الدعم عن المحروقات والمواد الغذائية، ليزيد فوق اليأس يأساً آخر. يتخوف اللبنانيون من أن رفع الدعم بغياب خطة لحماية الفئات الأكثر ضعفاً لن يؤدي سوى لمأساة إنسانية لن نرى خلالها سوى المزيد من القوارب المهاجرة من لبنان. 
اليأس اللبناني بات جلياً في العديد من المحطات. أخيراً، يتحدث اللبنانيون عن محاولة مجموعة من الشبان مغادرة البلد عبر البحر من طرابلس إلى قبرص قبل أن تعيدهم السلطات القبرصية أدراجهم، وهو مؤشر على أن مصير الكثير من اللبنانيين سيكون كمصير السوريين والليبيين والأفغان وغيرهم، الذين ماتوا في البحر غرقاً أو في الجبال صقيعاً خلال محاولتهم النجاة من بلدانهم. هؤلاء الفقراء، الذين لا يملكون مقومات الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا لن يملكوا إلا المخاطرة سبيلاً للحصول على حياة كريمة. 
أمام كل ذلك بات منظر اللبناني كالغريق الباحث عن قشة يتعلق بها، عن أي شيء يعيد بث الأمل. ثمة يأس من محاولات التغيير ومن الطبقة السياسية الحاكمة التي رأت في انفجار المرفأ فرصة لها لفك عزلتها وتسول الأموال من الخارج وسرقة المساعدات.

وجد البعض في الرئيس الفرنسي المنقذ والمخلص، هو الآتي بالدرجة الأولى باحثاً عن مصالح فرنسا وسط حرب على النفط مع الأتراك، وجد فيه اللبنانيون بديلاً عن سياسييهم. استقبلوه كرئيس جمهوريتهم، عانقوه ورأوا في لقائه بفيروز مشهداً جميلاً وسط كل القباحة التي يعيشونها. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024