الإعلام الفرنسي يحشر ماكرون: وازِن حكومتك!

حسن مراد

الأربعاء 2018/10/10
استقالة وزير الداخلية الفرنسي، جيرار كولومب، شكلت صفعة قوية للرئيس إيمانويل ماكرون. فالوزير كولومب كان من أوائل الداعمين لماكرون في معركته الرئاسية، واستقالته تؤشر إلى تصدع علاقة الرئيس الفرنسي حتى مع أقرب المقربين منه.  
خلال حفلة تنصيب ماكرون، التقطت الكاميرات الدموع التي ذرفها جيرار كولومب وتوقف الإعلام مطولاً عندها. فهذا الاشتراكي الذي يترأس بلدية ليون (ثاني أكبر المدن الفرنسية) انضوى منذ اللحظة الأولى تحت لواء ماكرون ليعطي حملة المرشح الشاب زخماً سياسياً كان في أمسّ الحاجة إليه. لم تكن دموع كولومب مجرد تعبير عن فرحة بفوز فريقه السياسي، بل كانت بمثابة انتصار شخصي له حيث راهن على الحصان الرابح قبل الآخرين. 
 
لكن ما الذي جرى حتى تصل الأمور إلى الطلاق بين هذا الثنائي؟ في الواقع، حملت استقالة كولومب دلالات كثيرة في الشكل والمضمون. 

شكلاً، كان كولومب قد تقدم باستقالته يوم الاثنين، إلا أن ماكرون رفضها، فعاد الأخير وأكد في حديث لصحيفة Le Figaro تمسكه بها ليعود ماكرون ويوافق عليها. الأسلوب الذي تمت فيه الاستقالة عكس نوعاً من التحدي والكباش السياسيين، خرج فيه ماكرون ضعيفاً وبدا مرةً أخرى غير ممسك بزمام المبادرة، وعاجزاً عن فرض سلطته، ما دفع صحيفة Le Monde لأن تعنون على صفحتها الأولى "كولومب يفرض استقالته". 

في المضمون، أظهر رحيل وزير الداخلية تصدعاً في البيت الداخلي "الماكروني". ففي الآونة الأخيرة، وجه كولومب انتقادات لاذعة لماكرون، حيث أسف "لقلة تواضعه"، ليضيف في تصريح آخر أن الرئيس لم يعد يتقبل النقد وأنه يسير على درب الانطواء والعزلة. 
إلا أن الصحف الفرنسية أجمعت على أن جوهر الخلاف بين ماكرون وكولومب هي قضية الكسندر بينالا، أحد معاوني ماكرون، الذي انتحل صفة أمنية وضرب متظاهرين خلال احتفالات عيد العمال في أيار (مايو) الماضي. فالرئيس الفرنسي لم يخفِ امتعاضه من وزير داخليته الذي، وفقاً للإليزيه، لم يتوانَ عن الدفاع عن نفسه حتى لو كان ذلك على حساب ماكرون شخصياً.  
والجدير بالذكر أن كولومب كان قد أعلن، قبل نحو أسبوعين، لصحيفة L'Express، أنه ينوي مغادرة الحكومة في العام المقبل (أي بعد انتخابات البرلمان الأوروبي) ليتفرغ للتحضير للانتخابات البلدية المنتظرة في العام 2020. 

وبعيداً من تقديمه لاستقالته قبل الموعد المحدد، تساءلت صحيفة Le Figaro: هل أصبح العمل في فريق ماكرون غير مجدٍ حتى يقرر كولومب التضحية بهذه الوزارة السيادية لصالح منصب بلدي؟ وقد شاطرتها في هذا الرأي صحيفة Libération التي كتبت في صفحتها الأولى "استقالة كولومب ... المعقل بدلاً من الزعيم".
تصدع حكومي تناولته الصحف الفرنسية. عنونت Le Parisien مقالها "أزمة جيرار كولومب". من جهتها اعتبرت Le Figaro أن "رحيل كولومب يزعزع الحكومة". وقد خصصت كل الدوريات الفرنسية مساحات تناولت فيها العلاقة الوطيدة التي جمعت الرجلين منذ الانتخابات الرئاسية وصولاً إلى الحكومة، لتصل جميعها إلى خلاصة أنه وبخلاف كل التعديلات الوزارية السابقة، فإن اللحظة السياسية تفرض على ماكرون أن يعيد التوازن إلى الحكومة بعد خسارته لأحد أركانها وألا يكتفي بملء شاغر حكومي. 

هذا الواقع قد يدفع الرئيس الفرنسي مثلاً إلى إجراء تعديل وزاري شامل أو حتى إلى مراجعة سياساته وأسلوب إدارته التي توصف بالمتغطرسة. فالفريق السياسي الذي يرتكز عليه الرئيس الشاب أتى من مشارب سياسية وثقافية متعددة، وفي بعض المناسبات بدت متناقضة ما جعله عاجزاً عن تولي دفة الحكم بصورة مختلفة عن أسلافه كما كان يسوق. 

في خط موازٍ، يمكن تفسير الصدى السياسي والإعلامي لاستقالة كولومب بطبيعة المنصب الذي تولاه. فوزارة الداخلية هي المعنية بحفظ أمن الفرنسيين غير المستقر أساساً، ولم تخفِ نقابات الشرطة تململها من حالة عدم الاستقرار هذه إذ تناوب عليهم، خلال السنتين الأخيرتين، خمس وزراء، ما يشير بحسب النقابات أن الوزراء باتوا يكتفون بتسيير عجلة الوزارة على المستوى الإداري فيما المشاريع الإصلاحية غائبة عن جدول أعمالهم.

منذ تولي ماكرون رئاسة البلاد قبل 16 شهراً، والسلطة التنفيذية لا تعرف الاستقرار المطلوب مع توالي الاستقالات والإعفاءات من المناصب الوزارية، لتأتي استقالة كولومب وتهز بقوة سلطة ماكرون وصورته. يدرك الرئيس الفرنسي جيداً أبعاد هذه الخطوة سياسياً وإعلامياً، ولا يخطئ من يعتبر أن ما بعد استقالة كولومب، قد لن يكون كما قبلها. فماكرون يدرك بلا شك أن استقالة بهذا الشكل والحجم ستكون لها نتائج غير محمودة إن لم يبادر سريعاً إلى احتوائها لا سيما مع انخفاض شعبيته واقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024