قصة ثلاث نساء مصريات

إيناس كمال

الأحد 2017/07/09
"حرام عليك ياحازم ليه كده".. كانت آخر الكلمات التي نطقتها سماح حمدي، الصحافية العشرينية في جريدة التحرير المصرية. ذاقت مثلما ذقنا، ويلات المهنة.. حلمت مثلنا بوطن نظيف بلا رجال أعمال فاسدين، وبلا حكومة لا تبالي بالشعب، وبلا مجتمع لا يرحم بعضه البعض.

نطقت سماح هذه الكلمات، وزوجها يسدد إلى رقبتها وصدرها وأنحاء متفرقة من جسدها 20 طعنة نافذة أودت بحياتها، ثم استدار الأب بعد دقائق معدودة من قتله للأم، يبحث عن طفلته الرضيعة بنت الـ 23 يوما، يفصل رقبتها عن جسدها بعد أن ردد "بسم الله.. الله أكبر".
عن أي إله يقصد؟ الله وحده يعلم.

الزوج القاتل قال في تحقيقات النيابة أنه شك في سلوك زوجته بعدما وجدها تقبل أشقاءها الذكور وهو ما لا تفعله شقيقاته الفتيات معه، كما وجد في ظهر طفلته الرضيع شعرة، ما اعتبره خيانة من زوجته. بيّت النية لقتلها وضبط المنبه ليستيقظ في الصباح ويقتلها وطفلته.

جريمة بشعة استيقظت عليها بفجاعة، مصر، صباح الإثنين الماضي، واهتز لها الوسط الصحافي بأكمله. فالعروس الشابة مثال حي لمجتمع لا يرحم، يسب "داعش" وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و"القاعدة" و"طالبان" وغيرها من الحركات التي تدعي الإسلام ومنهجها الأساسي القتل والتكفير، وهو يمارس طواعية وبالمجان فكر هذه الجماعات.

سماح كانت مثالا لإجبار المجتمع للفتيات على الزواج من رجال لا يشبهونهن في الفكر أو التربية أو الثقافة. فالزوج الكبابجي، ولممتهني هذه المهنة منا كل احترام وتقدير، ليس على الدرجة الثقافية والفكرية للصحافية الشابة، لكن لإجبار الأهل دور كبير، حينما استسهلوا قرب المسافة. بيت القاتل، يلاصق بيت أهل سماح في نفس العمارة والطابق، ما جعل الأهل يضغطون على ابنتهم للموافقة بدعوى قربها منهم ولن يضيرها شي؛ لكن لم يعد وقتاً للحساب.

قالت الأم في أقوالها للنيابة: "سمعت صوت أحدهم يستغيث "الحقوني" لكن لم أكن أتصور انها ابنتي". مؤلم أن يرسل القدر رسالة توعية متأخرة عن موعدها. مؤلم أن تدفع الأم ثمن تبلد مشاعرها تجاه إستغاثة أحدهم ويكون الضحية هو الابن أو الابنة.. والمؤلم أكثر تعليقات وتبريرات البعض للجاني.

***

في صباح الثلاثاء، لم يكن يفجع المصريين ويبرد نار مأساة سماح شيء، إلا أن وجدنا ما هو أفظع. ففي محافظة الشرقية – محافظة زراعية تقع شرق النيل شمال مصر- اشتبه أهالي مدينة بلبيس - من دون تأكد- بأن سيدة تحاول خطف طفلة صغيرة. تجمهر الأهالي على استغاثة ما، ضربوا السيدة "علقة ساخنة" ثم ربطوها بعمود إنارة طوال النهار. تلقت "ما فيه النصيب" من الضرب والسب والإهانة من أهالي القرية. كانت الوليمة التي أراد كل من مرّ مصادفة أن يقدم واجباً فيها، من دون أن يتأكد أو يتيقّن من جرمها أحد ومن دون معرفة القصة من الأساس. والسؤال هنا: لو كان الجاني رجلاً، هل كان يتلقى المصير نفسه؟ اللافت ما كشفته تحقيقات النيابة أن المرأة الفقيرة صعدت إلى المنزل الذي ضبطت فيه بعدما شاهدت هاتفاً محمولاً معلقاً، أي دخلت بغرض السرقة.

اتخذ الأهالي أنفسهم أولياء وحكام وقضاة بدلا من دائرة من العدل تبدأ من الشرطة وتنتهي بالقضاء. إذا كان الجرم متعلقاً بامرأة، فلا داعي لهذه الدائرة. فالحكم بالتجريم جاهز.
***
لم تكن سوى ساعات قليلة، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي و"تسمّر" الملايين من المصريين، مساء الثلاثاء، يشاهدون فاجعة أخرى بطلتها فتاة مريضة نفسياً يتم المتاجرة بمأساتها عياناً في قناة "المحور" التلفزيونية بقيادة إعلامي مخضرم هو معتز الدمرداش نجل الفنانة كريمة مختار.

صاحبة المأساة الثالثة هي سلوى، فتاة شابة في الـ 22 من عمرها، أثارت الرأي العام قبل أيام بشكلها وملابسها الراقية حينما وجدها مارة تنام وحدها وتسير وحدها وترقد وحدها بالشارع أسفل كوبري العباسية في القاهرة. ذلك ان سلوى لم تكن تشبه متشردي الشوارع أبداً. هي فتاة على قدر من الجمال والرقة ترفض مساعدة الغرباء ولا تقبل التقرب من أحد بالشارع. وانتشرت قصتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تبنتها إحدى دور الرعاية وقدمت لها المشورة والدعم النفسي، حتى "بدأت" رويداً رويداً في استعادة وعيها. وفور حدوث ذلك، استضافتها القناة الفضائية بصحبة شقيقها محمود وأحد العاملين في دار الرعاية.

المأساة الأكبر كانت أن سلوى بدا عليها من حديثها أنها لا زالت تحت ضغط نفسي شديد واقع عليها إضافة إلى الضغط الذي يمارسه الإعلامي بحقها منتهكاً خصوصيتها ومنتهكاً حقها الطبي في الإستشفاء في محاولة منه لاستخلاص أي معلومات عنها. 

سلوى العشرينية، لم تكن ذات وعي كامل وإدراك للأمور. ففي بداية حديثها تحدثت عن حاسة سابعة تمتلكها وغرباء يتحدثون لها من عوالم أخرى، ثم تطرقت الى أنها أجبرت على الزواج ثم قالت إنها تزوجت ولم يوافق أهلها وأنها سافرت الى دبي وتزوجت من رجل ذي سلطة يتبع المخابرات أو امن الدولة وسبب صدمة لها. أقوال عديدة متضاربة ومضايقات وابتزاز وُضعت فيه سلوى المتشردة الراقية.

ولم تكن تلك المأساة، أفجع مما حدث في بقية الحلقة حينما استضافت القناة شقيقها الذي كان جلاداً هو الآخر، وصبّ جام غضبه على سلوى مبرئاً نفسه وعائلته من ذنبها.. وانها السبب في ما وصلت إليه وأنها لا بد أن تتحمل ما وصلت اليه، إضافة لمداخلة من والدتها التي أعلنت تبرؤها منها وأنها تركت المنزل منذ 10 سنوات وهامت في الشوارع وكل فترة كانت تصاب بمرض نفسي وتعود للمنزل وتهرب من حصارهم ثم تعود إليه ثم تهرب منه ثانية. هي عائلة مريضة تدفع بامرأة عاقلة للجنون. غياب للدفء الاسري والاحتواء وتصريحات من الأم والأشقاء متضاربة، جميعهم أخطأوا بحقها ولم يرحم أحد حالتها النفسية لا الأم ولا المجتمع ولا الأشقاء ولا الإعلام.

في أقل من ساعة، كانت النماذج الثلاثة حديث مواقع التواصل الاجتماعي. مناقشات حادة تجري بين طبقات مثقفة وواعية وشباب يدركون الحقائق وآخرون يبحثون عنها وينقبون. نسبة كبيرة لم ترحم النساء الثلاث، وصبت جام الغضب عليهن، عاقبوهن على جرم لم يرتكبنه، وتلقت الثلاث جزاءاً قاسياً ولا يزال المجتمع رغم ما وصلن إليه لا يعترف بخطئه بحقهن.
ولا نزال نسأل كيف ترعرعت داعش في وادينا؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024