40 عاماً من الثورة في إيران..متى ستنهار دولة الخميني؟

وليد بركسية

الأحد 2019/02/10

لا تتعاطى الصحف العالمية مع الذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، بالزخم المتوقع، وكأن تلك اللحظة التي غيرت وجه إيران والشرق الأوسط، العام 1979، مؤلمة لدرجة يجب معها تجاهلها، لأنها تشكل تذكيراً موجعاً بفشل السياسات الخارجية للدول الغربية، وبالتحديد الولايات المتحدة، في التعامل مع حلفائها وخصومها، وفي احتواء الأزمات المتولدة عن ذلك، طوال أربعة عقود، مستمرة.

ومع إجماع التغطيات والملفات الخاصة، رغم قلة عددها، على أن إيران، في الذكرى الأربعين لثورتها الإسلامية، تواجه مستقبلاً غامضاً، حيث تواجه البلاد احتجاجات متزايدة وإضرابات وأعمال عصيان مدني، ومرشداً أعلى طاعناً فى العمر هو علي خامنئي الذى تدور شائعات حول إصابته بمرض السرطان. كان لافتاً الاتجاه للوم السياسات الغربية، في نجاح الثورة الإسلامية من الأساس، قبل الحديث عن تمددها في المنطقة، بالشكل الذي يجعل كثيرين يقولون أنها تحكم أربع عواصم عربية، هي بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت (واشنطن بوست، فايننشال تايمز،..).

ولعبت الصحف الكبرى على عامل الزمن (واشنطن بوست، إيكونومست..)، لتوضيح وجهة النظر هذه، فاستذكرت العلاقة الأميركية مع نظام الشاه الذي أطاحت به الثورة، حيث ارتكبت واشنطن قبل 40 عاماً، خطأ بعدم المعرفة بتدهور صحة الشاه محمد رضا بهلوي بسبب مرض السرطان، ما دفع واشنطن إلى الدخول فى مسار دبلوماسي لم يكن له تأثير كبير فى منع الإطاحة بحليفها واستبداله بنظام مازال معادياً للولايات المتحدة. ويشير السلوك السابق إلى أن واشنطن لو كانت علمت بمرض الشاه لربما تحركت بقوة أكبر لإرساء استقرار صحته وإبقائه فى السلطة، وهي الخطوة التي كان ليكون لها تداعيات مختلفة بشكل جذري للولايات المتحدة.

ورغم أنه من المستحيل تحديد ما إذا كانت نتيجة ثورة 1979 كان يمكن أن تتغير لو أن إدارة الرئيس السابق جيمي كارتر عرفت بمرض الشاه، لكن من الواضح أن صحة حاكم إيران لعبت دوراً كبيراً في المسار السياسى لإيران، وهى الحقيقة التى لا ينبغى إغفالها من قبل صناع القرار الحاليين فى ظل ما يواجهه المرشد الإيراني علي خامنئي، المريض بالسرطان، وسط جدل عام حول من سيرثه في منصب الرجل الأقوى في البلاد، مع الإشارة إلى أن هذه الحالة من عدم اليقين مازالت جوهرية في العلاقة مع الورطة التي تمثلها إيران للنظام العالمي.

ومن تلك النقطة التاريخية، يتم استذكار فشل الاستراتيجية الأميركية لمواجهة تصدير طهران لثورتها القائمة عل فكرة الولي الفقيه، إلى المنطقة، والتي أدت لتصاعد مضاد في الوهابية السعودية، وألهمت حتى حركات إسلامية سنية مثل الأخوان المسلمين، رغم أن تلك الفكرة نفسها ما كانت لتحظى بالشعبية حتى في الدول العربية ذات الأغلبية الشيعية كالعراق والبحرين (إيكونومست، فايننشال تايمز، نيوزويك، نيويورك تايمز..)، علماً أن التحالفات الأميركية في الشرق الأوسط، مع الدكتاتوريات القائمة في المنطقة، بقيت مبررة ضمن الخطاب الدبلوماسي بحجة مواجهة إيران، وهو ما تكرره إدارة دونالد ترامب اليوم.

وهنا تميل الصحف الأميركية تحديداً، لتقديم الانحيازات الحزبية التي باتت سمة لرئاسة ترامب الجدلية، فانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، الذي يوصف بأنه خرق في الجمود السياسي بين واشنطن وطهران منذ العام 1979، أعاد المشكلة إلى نقطة الصفر، حيث أعادت طهران من رفع حدة خطابها ضد واشنطن، مستفيدة من تمدد نفوذها في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي. أما التساؤل الأبرز هنا، فهو هل يجب على الولايات المتحدة، التعامل مع إيران كصديق أو كعدو، في المستقبل، بناء على الفترة الوجيزة من "التقارب" كإرث لرئاسة باراك أوباما، وعدم حاجة الولايات المتحدة لأسواق النفط العربية في ظل ثورة النفط الصخري لديها (بلومبيرغ، واشنطن بوست، ..)

ورغم أن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جون بولتون، تنباً قبل أشهر بأن إيران "لن تعيش حتى عيد ميلادها الأربعين"، إلا أنه كان مخطئاً، ولعل ذلك يشير إلى أن هنالك قصوراً في تقدير مدى نمو النظام الإيراني على المستوى الدبلوماسي، لدرجة أصبح معها خبيراً في التخلص من أزماته الداخلية والخارجية، حتى بعد الحروب القاسية التي خاضها كالحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، وصولاً لبناء علاقة مع دول الاتحاد الأوروبي التي باتت على طرف نقيض من الولايات المتحدة في ما يتعلق بالاتفاق النووي والعقوبات الدولية على طهران (فورين أفيرز، نيويورك بوست، ..)

والحال أن السياسيين الإيرانيين يسخرون في الخطاب الرسمي وعبر تعليقاتهم في "تويتر" من التصريحات الغربية المشابهة لتصريح بولتون باعتبارها ساذجة، ويتحدثون بالمقابل عن دولة أسهمت في تطوير طبقة متوسطة كبيرة ومتعلمة تعي التاريخ الحديث المضطرب وتدرك المخاطر التي تهدد أمنها. ويصر رجال الدين الحاكمين أن المذهب الشيعي الذي قامت على أساسه الجمهورية الإسلامية، يتسم بالمرونة الكافية لتكييف أحكامه مع المتطلبات المعاصرة عند الضرورة.

ويجادل خبراء في الشأن الإيراني هنا، بأن ذلك التعميم قد لا يكون دقيقاً، ويرون أن نجاح إيران مرتبط بظرف الحروب والإرهاب والفشل الذريع للنظم العربية المستبدة، التي سمحت لطهران بالوقوف ضد السياسات الغربية الموجهة ضدها، بالإضافة للعامل الاقتصادي والاجتماعي الذي بات يحرك الاحتجاجات ضد النظام الثيوقراطي (إيكونومست، بلومبيرغ، نيويورك بوست، فورين بوليسي، ..) والتي وصلت إلى حد المطالبة بإدانة خامنئي نفسه العام الماضي، ما يعني أن قبضة النظام على السلطة لم تعد متماسكة كما كان الحال من قبل، بل أصبحت الجمهورية أكثر هشاشة مقارنة بجميع السنوات منذ قيام الثورة الإسلامية العام 1979.

وتتنوع مصادر الغضب الشعبي الإيراني، ابتداء من نقص المياه، مروراً بالانهيار الاقتصادي، وصولاً إلى الإحباط من القيود الاجتماعية الصارمة. والأهم من ذلك هو أن الإيرانيين تحرروا خلال السنوات الأخيرة من وهم الإصلاح الذي يروج له المعتدلون مثل الرئيس حسن روحاني، إذ تعلم الناس أن مثل هذا الخطاب لا يفعل سوى إخفاء الدمار الاجتماعي والاقتصادي والبيئي في ظل النظام الحالي، وأتت التقارير المذهلة من قلب إيران، والتي بثتها وكالتا "أسوشييتد برس" و"يونايتد برس إنترنشيونال" وصحف مثل "فايننشال تايمز"، لتأكيد تلك الحقيقة، على لسان الإيرانيين أنفسهم، والذين قارنوا بين حماستهم للمشاركة في الإطاحة بالشاه قبل أربعة عقود، قبل مشاهدة البلاد تتحول إلى بقعة مظلمة منعزلة يحكمها رجال الدين الذين يسيطرون على الاقتصاد لمنفعتهم الخاصة.

ومن الناحية الاستراتيجية، يصعب تصور سيناريو تستمر فيه الدكتاتورية الفاسدة في تكميم أفواه الفقراء الغاضبين في المستقبل المنظور. وهنالك أدلة دامغة على أن الاحتجاجات أصبحت سمة مميزة في المشهد السائد في طهران، ستواصل إبعاد النظام عن شرعيته شيئاً فشيئاً، ربما حتى الانهيار. وتجمع الصحف على ضرورة الوقوف إلى جانب الإيرانيين في احتجاجاتهم ليس فقط لتشكيل عامل ضغط على النظام من الداخل، بل لأن الوقوف مع حقوق الإنسان يجب أن يكون المحرك الأخلاقي أيضاً.

وهنا، يعود المشهد لبدايته، وهو ما الذي يجب على الولايات المتحدة، كقائدة للعالم الحر، أن تقوم به، مع الوفاة المرتقبة لخامنئي، وتلاقي الأغلاط التاريخية بما في ذلك عدم اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني العام 2007 في العراق عندما سنحت الفرصة لذلك (فورين بوليسي) والذي يعد واحداً من أبرز المرشحين لتولي منصب المرشد، خصوصاً أن وفاة محمد هاشمي شاهرودي، أواخر العام الماضي، والذي كان أبرز المرشحين لخلافة خامنئي، فتحت الباب أمام احتمالات للصراع على السلطة بين أجنحة النظام، ما يعني نشوء حالة استقطاب داخل دائرة الخلافة بشكل يخلق حالة عدم استقرار في إيران.

ومهما كان الاسم القادم، فإن إيران ستحكم بعد المرشد الحالي برمز ديني مثله، لكنه أقل قوة، وأكثر ارتباطاً بالحرس الثوري. وتضم الأسماء المتداولة في الإعلام العالمي لخلافة خامنئي، كلاً من الرئيس الحالي حسن روحاني رغم أن سيطرة المتشددين على مفاصل السلطة السياسية والأمنية والعسكرية كلها لن تعطي المعسكر المعتدل عموماً أي مساحة للمشاركة في عملية اختيار المرشد المقبل، بالإضافة لرئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي لاريجاني والمرشح الرئاسي المتشدد للعام 2017 والمرشح لتولي هيئة القضاء إبراهيم رئيسي، مع مجال للمفاجآت عبر إمكانية ظهور رجل دين ما بشكل مفاجئ على الساحة السياسية (فورين بوليسي، ناشيونال إنترست، ..).

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024