وزيرة الإعلام..ما ينطبق على الإعلام الرسمي لا يشمل الخاص

علي شهاب

الإثنين 2020/03/30
لا يمكن، في أي حال، تحميل وزيرة الإعلام اللبنانية، منال عبد الصمد، مسؤولية "دراما" التهويل الذي دأبت عليها وسائل إعلام "الترافيك" وقنوات التصنيف الطائفي والمذهبي لشؤون وقضايا هذا الوطن، وآخرها فيروس "كورونا" المستجّد.

والحقيقة أنّ من يطّلع على السيرة الذاتية المهنية الغنية للوزيرة النشيطة، يستغرب اختيارها على رأس وزارة يتفق معظم أهل الإختصاص على ضرورة إلغائها لأجل هيئة أكثر عصرية وقدرة على مواكبة شؤون المهنة.

وحسناً فعلت الوزيرة بإيلاء التلفزيون الرسمي إهتماماً خاصاً، في هذه الفترة، بموازاة جهودها في لمّ شمل الإعلام "الخاص" على قلب مصلحة وطنية واحدة.

لكنّ مساعي توحيد معايير الإعلام في تغطية أزمة كوباء "كورونا"، تحتاج ما هو أبعد من "إعلان نوايا"، وتتطلب إلتزاماً بـ"دليل" مهنيّ يمكن على إثره ضبط أداء الإعلام وإستباق أي محاولة للعبث بالأمن الإجتماعي بدواعي السبق الصحافي والإثارة.

والتغطية الإعلامية المهنية لفيروس "كورونا" المستجدّ، تمت تغطيتها من محاور عديدة، أولها الأخلاقيات. فمن الضروري توحيد المعايير التي يجب على الإعلام اللبناني الإلتزام بها في تغطية الأزمة الصحية. مع الإشارة إلى أنّ هذا الأمر لا ينال من حرية التعبير، بل هو في صُلب عمل أي إعلام محترف. ويمكن، لمن يريد، الإطلاع على "سياسات" و"أدّلة" وضعتها مؤسسات إعلام عالمية لتغطية أخبار "كورونا".

وفي لائحة هذه السياسات الأخلاقية، الإبتعاد عن اللغة والأحكام "النمطية". فوجود دليل مسبق متفق عليه، برعاية وزارة الإعلام، كان من شأنه تحديد سقف للخطاب السياسي للقناة في ظرف استثنائي.

وينطبق "التنميط" أيضاً على الصور ومشاهد الفيديو، التي قد توحي بالدونية، أو إتهام جهة محددة بسبب إنتمائها العرقي أو الأيديولوجي أو القومي أو الجندري أو الإثني.

مسألة أخرى تكثر في الإعلام اللبناني هي نشر الخوف، حتى باتت عبارة "لا داعي للهلع" محل سخرية بين اللبنانيين، مع أنّها فعل عقل واتزان.

يميل المحللون، نتيجة كثرة الكلام وتوالي الإطلالات التلفزيونية، إلى "إجترار" أفكارهم السلبية. ومن دون أدنى انتباه، سرعان ما يبدأون في نشر هذه السلبية، ألفاظاً وأفكاراً وميولاً، في إطلالاتهم. بلغ الأمر أن أحد المحللين السياسيين بات يحذّر اللبنانيين من طقس كارثي آتٍ! 

يتحمّل الإعلام المسؤولية عن ذلك، إذ على الإعلامي نقل المعلومة، لا الإنطباع! وعلى المُحاور والصحافي تأمين التزام الضيف بالرسالة الإعلامية، لا أن يتحول الحوار إلى مساحة لبث الخوف والسلبية.

على أنّ أكثر الظواهر الإعلامية نفوراً في الوقت الراهن، هو الكشف عن هويات المصابين بالفيروس، من دون مراعاة ما يمكن أن يترتب على هذا الأمر من تبعات نفسية وإجتماعية وأمنية. هذه المسألة توجب على وزارة الإعلام التدخل حالياً، بشكل مباشر، في ظلّ عدم وجود "دليل أخلاقي" للمهنة في لبنان!

والحال أنه في أزمة عالمية إنسانية، تتخذ المعلومات الدقيقة أهمية إستثنائية. ورد في بعض المقابلات، استضافة أطباء اختصاصيين في المسالك البولية للحديث عن "كورونا"!

من الواضح أن بيانات الإتصال الداخلية في وسائل الإعلام، بحاجة لتحديث جذري في هذه الأزمة، حيث لم يعد هناك أي مبرر لإستضافة الوجوه نفسها التي اعتادها اللبناني للحديث عن أزمة غير مألوفة.

وينسحب عنوان "الأدوات" أيضًا على آليات وأنظمة العمل في القطاع الإعلامي على ضوء إنتشار الوباء. 

في التجربة الأميركية، إنتقل برنامج "ذا دايلي شو" الأميركي، الأشهر، إلى البث من منزل المقدم في نيويورك، باستخدام أدوات بسيطة للتصوير، وبالإعتماد على خدمات سحابية لإدارة عمليات المونتاج والإعداد والأرشيف والغرافيكس. قنوات تلفزيونية كثيرة تعاني إرباكاً حقيقياً، اليوم، بسبب عدم معرفتها ببدائل تقنية توفر عليها الكثير، وتضمن استمرار العمل بالحد الأدنى.

في موازاة ذلك، تبدو معاناة الصحف والمواقع الإلكترونية أشدّ وطأة بفعل طبيعتيهما، علماً أن الصحف الأجنبية سارعت الى تعزيز وجودها الإلكتروني كبديل من توقف طباعتها، كما نَحَتْ جميعها في اتجاه التعاون العابر للحدود في ما بينها، وهو عنصر مفتقد في الإعلام اللبناني.

وفي ما يتعلق بالمصادر، باتت إحدى وظائف وسائل الإعلام اللبناني، إصدار نفي لأخبار زائفة هنا وهناك، وكأن الإعلام البديل تفوق عليها، وصارت -إزاءه- في موقع الدفاع.

في الواقع، هناك أفكار أكثر بساطة ومهنية في مواجهة ظاهرة الأخبار الزائفة، ومنها تخصيص مساحة دائمة للدحض والكشف والتوعية. من شأن هكذا خطوة تحويل المؤسسات الاعلامية نفسها إلى مرجعية ذات مصداقية، بدلاً من أن تستنزف أوقاتها في النفي والردّ.

ويشمل عنوان "المصادر" وضع دليل للتعامل مع المعلومة الخاصة، علماً أن كلمة "مصدر" في لبنان تعني عادةً الجهة السياسية أو الأمنية الممولة أو الداعمة، ولا يشبه هذا المصطلح بأي حال ما هو مألوف في الإعلام المرموق.

تحتاج كل هذه المحاور إلى إطلاق ورشة واسعة، لا يمكن أن يتولاها سوى وزارة الإعلام، لاعتبارات كثيرة. لكن هل في مقدور وزيرة الإعلام إدارة القطاع الخاص، بالإيجابية نفسها التي تحاول فيها في القطاع الرسمي؟ 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024