"نتفليكس" رمضان: استخفاف بالمُشاهد العربي

يارا نحلة

الخميس 2019/05/30
مع اقتراب انتهاء شهر رمضان، بدا واضحاً أن إقدام شبكة "نتفليكس" العالمية للمشاهدة حسب الطلب، بعرض 4 مسلسلات عربية دفعة واحدة، بالتزامن مع بثها على المحطات التلفزيونية الإقليمية، كان مغامرة استهدفت الجمهور الخليجي، فتحولت "نتفليكس" التي تطرح مسلسلاتها كاملة لمشتركيها، إلى نموذج العرض اليومي، وكأنها تحجم نفسها في مستوى الشبكات المنافسة في الشرق الأوسط وعلى رأسها "إم بي سي"، خصوصاً أن المنصة الرائدة التي غيرت شكل الإنتاج والتوزيع التلفزيوني في العالم، لا تقدم في هذه المغامرة، مشهداً رمضانياً رمضانياً مختلفاً عما اعتاده المشاهد العربي طوال عقود.


يبدأ إحباط جمهور "نتفليكس" بداية بمسلسل "الكاتب"، بعدما رمى منتجوه  قنبلة ترويجية حين خرج إعلانه متضمناً إيحاءات ورموزاً من أحد أشهر مسلسلات "نتفليكس" في العالم العربي "La Casa De Papel". لكن العمل الذي يجمع السوري باسل خياط بنجوم لبنانيين أبرزهم دانيلا رحمة وندى أبو فرحات، جاء مخيباً لآمال المشاهدين الذين رفعوا مستوى توقعاتهم إلى إنتاج درامي شبيه بمسلسهم المفضل.

ولم يشفع لـ"الكاتب" (سيناريو ريم حنا، إخراج رامي حنا) الجهد الإخراجي المبذول من أجل رسم صورة بصرية غير نمطية يمكن وصفها بالمزخرفة، لجهة التفنّن بالإضاءة والديكور وحتى الملابس، لأن هذه الجهود انزلقت جميعها إلى فخ الإبتذال، فجاء العمل مليئاً بالهفوات المعهودة في مسلسلات رمضان المصنوعة على عجل: نص ركيك، حوار سطحي، شخصيات غير واقعية، أحداث غير منطقية، وتمثيل غير مقنع.

وفي العمل، يخفق خياط، ومؤلفو العمل على حد سواء، في إقناع المشاهد بشخصية البطل أو عالمه.إذ يلعب النجم السوري دور كاتب روايات بوليسية ذي شهرةٍ واسعة وثروة هائلة ونرجسية عالية، لكن يظهر، منذ المشاهد الأولى، انفصال العمل الكلي عن أي سياق إجتماعي أو زمني أو حتى منطقي، وكأنه يسبح في عالم خيالي من دون معالم او هوية، وهو لا يمكن حصوله في أي من إنتاجات "نيتفلكس" الأصلية بطبيعة الحال.

من جهة أخرى، تلقي الدراما الكويتية بثقلها في الموسم الرمضاني عبر "نتفليكس"، بحضورها عبر مسلسلات ثلاثة تعرض في المنصة. وفي سلسلة "أنا عندي نص" تلعب الممثلة سعاد عبدالله، شخصية امرأة متوسطة العمر، مستقلة وعزباء، تحاول شقّ طريقها وتحقيق أحلامها وسط إحباطات العالم الذكوري.

وتقدّم هذه الدراما الاجتماعية العائلية في قالب كوميدي، أو شبه كوميدي، كليشيهات مثل بساطة البطلة وبلاهتها أحياناً. فهي ليست البطلة الكاريزماتية، فائقة الجمال والثراء والذكاء، مثلما اعتاد الجمور العربي في الفترة الأخيرة، لكن تلك الصورة متكررة في المسلسلات الكوميدية العربية التي تعتمد على الإضحاك من ناحية المبالغة في تقديم الشكل.

وبغض النظر عن ذلك، تظهر العبدالله كامرأة عادية، تتعثر في خطواتها وتتلعثم في كلامها، وهنا يكمن تميّز المسلسل وتفرّده. كما يطرح العمل مواضيع اجتماعية متعددة أبرزها المشكلات والصراعات العائلية، والحقيقة أنه يتفوق على غيره من الإنتاجات الدرامية في واقعيته وتناوله لأحداث ومواقف معاشة فعلاً.

هذا الجانب المشرق، لا ينطبق للأسف على المسلسلين الكويتين الآخرين وهما "حضن الشوك" و"ماذا لو؟". ويعكس عنوان العمل الأول مستوى الدراما المفتعلة، وكذلك الأمر بالنسبة لمشهده الافتتاحي المطول الذي يظهر البطلة وهي تتخبط في أزماتها وصراعاتها، على وقع أنين الكمنجات الذي ينم عن مغالية رخيصة في العواطف. ثم يسرع المخرج إلى طرح القصة في قالبٍ تراجيدي، شاحذاً دمعة المشاهد وكآبته، قبل أن يتسنى للأخير أن يُستثمر عاطفياً في حياة الشخصيات وقصصها. وطوال الحلقات يدفع العمل المشاهد إلى الحزن والهمّ قبل معرفة ماهية الحزن وجوهره، ويشكل ذلك نمط دراما النكد العربية، التي تقدم الحزن من أجل الحزن.

في ضوء ذلك، تظهر الشخصيات نمطية بإمتياز: الزوج الخائن، الزوجة النكدية، الزوجة الثانية الخبيثة. وبالنسبة الأحداث، فهي تدور بين الحاضر والماضي، وتحديداً أثناء الغزو العراقي للكويت، لكن العمل يفشل في تمثيل تلك الحقبة، من حيث الإخراج الفني أو الأزياء وبالتحديد الماكياج. فإفراط الممثلات في التبرج، حتى حين تقتصر المشاهد على جلوسهن في راحة منازلهن و"بيجاماتهن"، هو أمر يتشاركه هذا المسلسل مع كافة الإنتاجات الدرامية العربية التي ظهرت في العقد الأخير. وبالرغم من كثرة الانتقادات والسخرية التي تطال ماكياج الممثلات العربيات، يتشبث صناع الدراما العربية بإصرارهم على صنع صورة أنثوية غير واقعية، مثقلة بطبقات "المايك-أب" السميكة، ومجردة من أي تلقائية وعفوية.

من جهته، يتألف مسلسل "ماذا لو" الذي يخرجه الكويتي حسين دشتي، من خمسة خطوط درامية رئيسة تبدو مشتتة وغير مترابطة. ويقدمه صناعه على أنه "نقلة نوعية في الدراما الكويتية والعربية"، لكن الموضوعات التي يتعاطاها تدور في فلك "الكليشيهات" التلفزيونية الرمضانية: الأب الظالم، الرجل المتسلط، المرأة التي لا يشغل بالها سوى الحب والزواج، مريض السرطان الذي يرفض العلاج وما إلى ذلك من قصص منقولة عن بعضها البعض. ورغم ذلك يقدم العمل مستوى تمثيلياً أفضل من غيره، ويبرز الممثل الأردني منذر رياحنة الذي ينجح في تقمص ألم ومعاناة مريض السرطان بدقة وواقعية.

في المحصلة، يجمع بين هذه الأعمال الدرامية، وغيرها التي تعرض في المنصات التقليدية، أنها تطوف جميعاً في فقاعة أو خواء لا جوهر له. فالشخصيات لا محيط لها، لا شارع ولا سوق. أما المجتمع الذي يحكم حياتها وتوجهاتها، فهو مجتمع متخيّل، نسمعهم يتحدّثون عنه من دون أن نراه يترجم فعلاً من خلال المواقف الدرامية. كما تجري الأحداث بمعزل عن الظروف والسياقات الاجتماعية، وتبقى شديدة الانسلاخ عن المشهد اليومي المعاش، ويمكن وصفها بأنها الدراما التي تأتي من اللاشيء، وتؤدي إلى اللامكان.

وعليه، يجب القول أن الاستثناء الذي أتاحته "نتفليكس" لمسلسلات رمضان، بعرضها يومياً، لم يكن يستحق تغيير المنصة لمسارها وأسس عملها، ذلك أن هذه المسلسلات لم تدخل أي جديد إلى المنصة أو الدراما العربية عموماً، كما أنها لا تحمل أياً من المقومات المهنية والإبداعية التي تميز مسلسلات "نتفليكس" الأجنبية. ويدلّ هذا الأمر، في الحقيقة، على استخفاف "نتفليكس" بالمشاهد العربي، واعتباره مستهلكاً ساذجاً جاهزاً لابتلاع كل ما يقدم له.

ويبدو أن المنصة الشهيرة في دراستها للسوق العربي، لم تبذل أدنى جهد لفهم المشاهد العربي وميوله، بل عمدت في المقابل إلى تبني الأعمال الجاهزة التي يشاهدها الجمهور، لإنتفاء البديل، حيث لم تسعَ المنصة إلى تقديم بديل كما تفعل بلُغاتها الأخرى، بل إكتفت بما هو موجود ومربح أساساً، حتى الآن على الأقل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024