تغطية "الجديد" في صور: حين ترضخ السلطة للإعلام!

علي شهاب

السبت 2019/10/19

يمكن تسجيل الكثير من الملاحظات المهنية على أداء قناة الجديد في نشراتها الإخبارية، لكن هذا لا ينفي أبدًا أن القناة تحتل في فترات الازمات، موقعاً في المراتب الأولى على صعيد المتابعة، خصوصاً في الأحداث المحلية والتغطيات المباشرة.

هي نفسها الملاحظات المهنية تتحول إلى شهادة للقناة! فتتحول "شعبوية" المراسلين إلى محل إعجاب وتقدير لدى الرأي العام.

وبغض النظر عن أي إعتبار سياسي وكلام قد يُقال عن خصومة ما بين صاحب القناة ورموز في الطبقة السياسية، فإن ما يهمنا كمشاهدين هو قياس أداء الإعلام في نقل الصورة بخصوص ما يجري على الأرض، وهو ما ظهر جلياً في التغطية التي قامت بها للتطورات في مدينة صور، وهي تطورات يُبنى عليها الكثير بوصفها تغيراً في المزاج الشعبي لسكان جنوب لبنان حيث تنقسم معظم الولاءات السياسية لـ"حزب الله" و"حركة أمل"..

كان متوقعاً ان تستفز التظاهرات أنصار الطبقة السياسية الحاكمة، وسرعان ما انتشرت ليل أمس التسجيلات الصوتية التي تتحدث بوضوح عن اتجاه للنزول إلى الشارع ردًا على ما قيل أنه تمزيق أو حرق لصورة السيد موسى الصدر. وبالفعل سرعان ما بدأ اللبنانيون على شبكات وتطبيقات التواصل بتداول مقاطع فيديو وصور لعناصر مسلحة تعتدي على المتظاهرين وتمنعهم من ممارسة حقهم الدستوري بقوة السلاح.

لكن المفاجئ أنّ الإعلام اللبناني اختار، إما إهمال ما يجري في صور، أو الإستسلام للأمر الواقع والإنسحاب من التغطية. ولا فائدة من الدخول في نوايا وخلفيات هذا الانسحاب، فوسائل الإعلام في لبنان جميعها تابعة في النهاية لأحزاب السلطة او مدعومة منها مالياً.

لكن، وحدها "الجديد" قررت خوض معركة حرية التعبير على طريقتها في مدينة صور. واللافت أن ما يجري في صور بات هو الحدث الإعلامي، على الرغم من تزامنه مع كلمة أمين عام حزب الله، إذ نجح مراسلو القناة في نقل قضية "صور" إلى متظاهري بقية المناطق وإلى شنّ حملة "ناعمة" قوامها التعدّيات والممارسات العنيفة التي ارتكبتها العناصر المسلحة.
وتكمن أهمية ما قامت به "الجديد" في كونها راكمت بسرعة قياسية شجاعةً في الإصرار على الوصول إلى "الخبر" ونقله بالرغم من حساسية المشهد، خصوصاً في مناطق الثنائية الشيعية.

ويُسجّل للمراسلة جويل الحاج موسى أنها أجادت في الإشارة إلى حضارية وسلمية المتظاهرين في مدينة صور، والتركيز على هذا الواقع بهدف سحب أي ذريعة محتملة أمام أي موجة عنف أخرى محتملة ضدهم. وكانت التغطية استكمالية لمار ورد من مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات المشاهد يمتلك خلفية عن سلوك الطرفين. الاول تقدمه القناة، والثاني تقدمه مواقع التواصل.

وقد برز تفاعل الناس مع تغطية القناة بعفوية في مداخلاتهم خلال البث المباشر أو في تعليقاتهم على شبكات التواصل، فضلًا عن وفرة مقاطع الفيديو من بث القناة كدليل على إعتماد أكثرية واضحة من المشاهدين عليها.

لا يمكن الجزم بمدى مساهمة "الجديد" في صدور بيان "حركة أمل" الداعي إلى فتح تحقيق داخلي بسلوكيات بعض العناصر المسلحة، لكنها بالتأكيد شكّلت جزءاً من الإنتفاضة الشعبية وقوة دافعة له. فالإنحياز إلى صفوف الشعب هو هدف الرسالة الإعلامية، لا نقيصة من موقعها وأدائها وصورتها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024