الصحافة الفرنسية: لا نية لفرنسا إغاثة الاقتصاد اللبناني

حسن مراد

الجمعة 2020/07/24

 باهتمام بالغ، واكبت الصحافة الفرنسية زيارة جان إيف لودريان، إلى لبنان. لم يجذبها جدول أعمال الوزير الفرنسي، بقدر المناخ الاقتصادي -الاجتماعي الذي يعيشه لبنان حالياً.

في الواقع، لم تنقطع الصحف الفرنسية يوماً عن تناول آخر التطورات اللبنانية، إلا أن منسوب التغطية ازداد بشكل ملحوظ منذ ما يقارب الأسبوع، مع اقتراب موعد زيارة لودريان. الغاية من التغطية بدت جلية: تشخيص المشهد اللبناني، كي يفهم القارئ الفرنسي سياق الزيارة.

أجمعت الصحف الفرنسية على أن التدهور الاقتصادي والاجتماعي هو الدافع وراء قدوم رأس الدبلوماسية الفرنسية إلى بيروت، مسألة يمكن استشرافها عبر التدقيق بعناوين المقالات والتحقيقات التي تناولت الشأن اللبناني، عناوين دقت كلها ناقوس الخطر.

صحيفة اللوموند وصفت لبنان ببلد التضخم المفرط والصرف الجماعي، أما صحيفة 20minutes فرأت أن لودريان يزور بلداً مأزوماً. من جهته عنون موقع ميديا أزمة لبنان هي أزمة النيوليبرالية.   

التغطية الأبرز للملف اللبناني كانت من دون منازع، للفيغارو. دون غيرها من الصحف، خصت لبنان بمانشيت لافت يوم الخميس 23 تموز "لبنان: الهبوط إلى الجحيم" ، عددٌ عالج الواقع اللبناني من مختلف الجوانب. ولم تكتف الفيغارو في هذا العدد الخاص بعرض بيانات الاقتصاد الكلي، بل لجأت كذلك إلى طرح أمثلة عن المأزق الاجتماعي كانقطاع الأطفال عن الدراسة بفعل الظروف الاجتماعية.

أما صحيفة ماريان، فانفردت بنشر رسالة موقعة من رؤساء بلديات ومخاتير لبنانيين، لمناشدة الوزير الفرنسي تحويل أي مساعدات للسلطات المحلية مباشرة دون المرور بالأقنية التقليدية نظراً لحالة الشلل التي أصابت الدولة المركزية.

من خلال هذه العناوين نستنتج أن الصحف الفرنسية لم ترَ أي أهمية تذكر في زيارة لودريان، فموضوع الساعة في لبنان ما زال الأفق المسدود. ما يؤكد هذه النقطة، تشديد الصحافيين الفرنسيين، حتى قبل هبوط لودريان في بيروت، على عدم نية فرنسا إغاثة الاقتصاد اللبناني المتعثر، مستعيدين ما قاله لودريان في مجلس الشيوخ الفرنسي يوم 8 تموز "أعينونا على مساعدتكم". عبارة كررها من قصر بسترس وزاد عليها مواقف متفرقة، كحديثه عن الخطوات غير المشجعة في قطاع الكهرباء. بمعنى آخر، انتفاء الحل سببه عدم تحلي السلطات الرسمية اللبنانية بالمسؤولية المطلوبة.

انطلاقاً من هذا التصريح المكرر، سلطت الصحف الفرنسية الضوء على الواقع السياسي اللبناني الذي يمنع المباشرة بورشة الإصلاح المطلوبة، سواء التي يطالب بها صندوق النقد الدولي أو تلك المتفق عليها في مؤتمر سيدر. وعليه عنونت لوفيغارو: "الأزمة اللبنانية: سياسيون جشعون يرفضون المساعدة المقدمة صندوق النقد الدولي". وذهبت الصحيفة أبعد من ذلك فخصت حزب الله بموضوع مستقل. وفقاً للفيغارو، الحزب هو الطرف السياسي المهيمن على لبنان، طرف يسعى إلى عرقلة الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد، خشية خسارة حلفائه الحريصين على عودة القطاع المصرفي إلى سابق عهده. وأضافت الصحيفة أن حسن نصرالله يعتبر صندوق النقد دمية تتحكم بها الولايات المتحدة، وبالتالي إعادة تعويم القطاع المصرفي ستقابلها شروط سياسية تفرضها واشنطن. وعليه يعول الحزب على فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية المقبلة، ما يفتح الباب على احتمال تخفيف التوتر مع إيران. 

بالمحصلة، انسجمت الصحف الفرنسية مع الموقف الرسمي الفرنسي: "لودريان يشترط الإصلاح للمساعدة المالية"، عنوان ارتفع على صفحات Les Echos الاقتصادية.

بجولة خاطفة على أعداد الصحف الصادرة يوم الجمعة 24 تموز، نلاحظ أن تغطية مجريات الزيارة أتت خجولة مقارنة بالأيام الماضية، ما يؤكد أن غاية الصحف الفرنسية كان عرض الواقع الحالي اللبناني من دون الخوض في مستقبل هذا البلد، مستقبل ضبابي المعالم وخاضع لقرار المسؤولين فيه.

يجوز في هذا الإطار طرح السؤال التالي: ما الذي دفع وزير خارجية فرنسا إلى زيارة بلد على شفير الانهيار من دون تقديم مساعدة له؟

في ظل الموقف الأميركي – الخليجي من حزب الله، ومع تأكيد باريس أنها لن تمد يد العون للبنان بمعزل عن باقي الأطراف الدولية والعربية، حملت هذه الزيارة رسالة سياسية مفادها عدم استعداد فرنسا التفريط بنفوذها ومصالحها في لبنان عبر الإبقاء على خطوط التواصل مع بيروت.

وتجسد تمسك باريس بمصالحها تلك من خلال خشيتها على الصروح التعليمية الفرانكوفونية. فالمساعدة المادية الوحيدة التي حملها لودريان في جعبته كانت للمدارس اللبنانية ذات المنهج الدراسي الفرانكوفوني، مدارس مهددة بالإغلاق بسبب الأزمة المعيشية. الصحيفة الوحيدة التي تنبهت لهذه القضية وأبعادها كانت الفيغارو.   

حرص فرنسا على ديمومة هذه المؤسسات خير دليل على مكمن نفوذها في لبنان، فالطلاق مع الحكومة لا يعني طلاقاً مع المجتمع اللبناني. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024