مي شدياق.. هل يُجدي معها قطع رأس الهرّ؟

بتول خليل

الجمعة 2019/02/08
لطالما كانت محط سجال وجدل، ولا تروق مواقفها وتعليقاتها وحتى تعابيرها لكثير من الناس. ولطالما وصفها خصومها بـ"الفجة" و"الاستفزازية"، ليس فقط لآرائها تجاههم، بل لأسلوبها الذي يعتبرونه خالياً من الدبلوماسية والتنميق والمسايرة في توصيف الأمور والأحداث.


لم تتوان مي شدياق عن قول ما تريده، بصرف النظر عن المكان أو المناسبة، وبصرف النظر حتى عن الزمان، سواء كان أيام الوصاية السورية أو في زمن الوصاية المقنّعة لـ"حزب الله". فصوتها الذي حاولوا إسكاته أيام كان مدوياً في وجه النظام الأمني اللبناني السوري، وقت ظهورها الدوري على الشاشات، لا يزال يصرخ في وجه هيمنة سلاح "حزب الله" على الحياة السياسية ومحاولة استفراده بالقرار السيادي بعدما أصبحت صاحبة المعالي. تركت وراءها عقوداً من العمل الإعلامي، حين أعلنت اعتزالها على الهواء في شباط 2009، أثناء تقديمها برنامجها الحواري السياسي "بكل جرأة" في شاشة "إل بي سي"، وقالت أنها لم تعد تقبل بتدخلات عناصر أمنية في مضمون حواراتها ومنع ضيوفها من المشاركة في برنامجها.

شخصيتها الصدامية ومواقفها الإشكالية، جعلت منها هدفاً دائماً لموجات من حملات الهجوم المدروس والممنهج من قبل خصومها، خصوصاً وأنها "قواتية" الهوى والانتماء. لم تستكن أو تتراجع عن رفضها للاحتلال السوري وحلفائه وسياسات المحور الذي يدور في فلكه. ولم تثنها محاولة اغتيالها، التي ألقت بها في جحيم عشرات العمليات الجراحية والآلام الجسدية والنفسية، بل جعلتها أكثر تحيزاً لقناعاتها وأفكارها، مهما بدت متطرفة أو تشوبها المغالاة، ومهما استجلبت من ردود أفعال صاخبة وحملات قاسية ضدّها.

لا عجب إذاً أن تكون مي شدياق قد اعتادت أن تكون سبباً لسخط الكثيرين عليها، منذ بدء مسيرتها الإعلامية وصولاً إلى خوض معترك العمل السياسي كوزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية في الحكومة الجديدة، بعد اختيارها من قبل حزب "القوات اللبنانية" لهذا المنصب، رغم قولها في تصريحات صحافية إنّ ما استطاعت إنجازه على المستوى الشخصي يجعلها غير محتاجة للقب أو منصب، لكن خوض العمل السياسي بالنسبة إليها هو بمثابة منبر أعلى لإيصال صوتها. فكانت البداية مع إعلانها المعارضة من داخل الحكومة، ومن ثم تحفظها واعتراضها على النقطة المتعلقة بالمقاومة في البيان الوزاري، طالبة إجراء تعديل على هذا البند، بإضافة جملة تدعو لحصرالاستراتيجية الدفاعية بيد القوى العسكرية اللبنانية، مستتبعة ذلك بتصريح أثار جدلاً واسعاً، من خلال قولها "لو كانت لحزب الله النية بتحدي المجتمع الدولي، لما عيّن وزيراً للصحة بربطة عنق ويصافح باليد".

ورغم أن كثيرين يعتبرون الحكومة التي انضمت إليها مي شدياق أخرج تركيبتها وقبض على مفاصلها "حزب الله"، بصرف النظر عن التشاطر اللبناني الذي أضفى عليها صفة "لا غالب ولا مغلوب"، إلا أن مؤشرات الجو العام لهذه الحكومة، تشي بأنّ لا مجال ولا فسحة متاحة فيها للمعارضة والاعتراض، وأن من تسوّل له نفسه بالمناكفة وإثارة الشغب، كما فعلت الوزيرة شدياق، سيجد نفسه هدفاً لهجوم لا هوادة ولا رأفة فيه ولا رحمة. وشدياق وإن كانت تعوّدت التواجد في دائرة الهجوم على الدوام، إلا أن المرحلة الآنية كما يبدو لها حسابات وأساليب مختلفة.

وهذا ما يظهر من خلال الحملة المستعرة والحرب الشعواء التي تُشنّ ضدّها حالياً في مواقع التواصل ووسائل الإعلام المحسوبة على محور الممانعة، والتي بدا من شدّتها ومن تهافت سيوفها وتصويب سهامها ضدّ واحدة من أعضاء الحكومة الجديدة، بأنّ لها رسالة شديدة الوضوح، تفيد بأنه يُمنع على أي من أعضاء الحكومة شنّ أي نوع من الهجومات أو الانتقادات ضد "حزب الله" أو سوريا أو إيران.

من هذا المنطلق تبدو أهداف الحملة ضدّ شدياق مختلفة عن سابقاتها. ففي حين يتم اتهامها بـ"العمالة" وتوصف بـ"وزيرة الدولة لشؤون الحقد" والتركيز على انتفاء صفة الوطنية عنها، لا تخلو تغريدات أخرى من التنمّر والتجريح والإساءات غير الاخلاقية التي تطالها من كلّ حدب وصوب. فيما يُشكل رأس الحربة في الهجوم المنظّم، النائب جميل السيد، الذي يبدو أنه يتفانى في التصدّي للمعترضين على سياسة "حزب الله" وحلفائه، إذ يُعتبر الأبرع في الترهيب و"تركيب التهم" منذ تسيّد النظام الأمني.

ونشر السيد تغريدة يستهدف فيها شدياق جاء فيها: "فلتان قواتي بذيء على صفحتنا بسبب مطالبتنا لوزيرتهم الإلتزام بالتضامن الحكومي. ولأن الجيل الجديد من القوات مخدوع بالشعارات، أحببنا أن نريكم في الصورتين أدناه مدى السعادة الغامرة لمي شدياق عندما تشرفت بزيارة منزلنا في ابلح بالزمن السوري.هل تريدون المزيد عن مناضلي القوات؟!!". فما كان من شدياق إلا أن ردّت عليه موضحة  أنّ "المناسبة، أتت في اطار تلبية دعوات وجّهت لي كصحافية من سيّدات مجتمع إلى مختلف مناطق لبنان تكريماً للسيّدة اندريه لحود، لأنّنا يومها كنّا نأمل خيراً بانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية قبل أن تنكشف الحقائق. وبالمناسبة، الحاقد هو من يكتب الكلام الحاقد".

يتناسى السيد أن لعبة الصور وتغيير البندقية من كتفٍ إلى آخر هي لعبة عفا عليها الزمن. فالتيار الوطني الحر ورموزه لطالما كانوا الأعداء اللدودين لمحوره في الأمس. فإذا بهم، وبقدرة قادر، يضحون حليف اليوم الأقوى. والوزير الراحل إيلي حبيقة الذي عبر إلى الوزارة على جسر الوصاية السورية، اعتاد العبور قبلها إلى إسرائيل، وكان لقبه الأبرز "سفّاح صبرا وشاتيلا"، ليتحوّل بعدها إلى "أبو علي حبيقة" طفل سوريا المدلل في لبنان، والنماذج في هذا السياق عديدة.

محاولة السيد الإيحاء بأن الصورة التي نشرها لمي شدياق واحدة من المستمسكات الخطيرة في حقها، لا تعدو كونها محاولة زائفة وباطلة، ولم تلق رواجاً إلا في سوق الممانعة. لذا فليتنبّه في المرة المقبلة باستعمال أسلوب أكثر ذكاء وأقل خداعاً. إلا أنها دعوة لن تلقى الصدى عند أيّ من رموز النظام القمعي المدافعين عنه بكلّ ما تطاله أيديهم، خصوصاً أن محاولتهم تأتي لتطبيق فكرة قطع رأس الهرّ منذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة، كنوع من الإجراء الرادع، الذي افتتح موسمه بالتصويب بداية على الوزيرة مي شدياق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024