المرأة الإيرانية تصنع صورة الاحتجاج.. وشَعرُها أيقونة

بتول خليل

الأربعاء 2018/01/03
في تعليق لها حول ما تشهده إيران من احتجاجات وتظاهرات يزداد زخمها يوماً بعد الآخر، اعتبرت المحامية والناشطة الحقوقية والمعارضة الإيرانية، شيرين عبادي، أن ما يحصل اليوم في إيران ليس سوى بداية حركة كبيرة، قد يفوق مداها احتجاجات العام 2009، فيما يبدو أنها لن تنتهي في وقت قريب، خصوصاً وأن الشباب الإيراني لم يعد يحتمل وطأة خيبات الأمل المتكررة والمعاناة جرّاء البطالة المرتفعة والفساد وكوابيس أجواء الرقابة والتشدد.

عبادي التي عُرفت بانتقاداتها الشديدة لانتهاكات نظام بلادها لحقوق الإنسان، والتي يحفل سجلّها بتجربة سياسية واسعة ومرموقة وبعشرات الجوائز تكريماً لنضالها الطويل وصلابة مواقفها ضدّ القمع وسياسة التمييز ضد النساء الإيرانيات والتضييق عليهن، جاءت تصريحاتها الأخيرة لصحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، من منفاها في لندن، تعبيراً عن موقف مئات النساء الإيرانيات اللواتي يلعبن مرة جديدة دوراً قيادياً لافتاً في الاحتجاجات والتظاهرات الممتدة من مدينة إيرانية تلو الأخرى، واللواتي جاءت الصور والفيديوهات  المنتشرة في مواقع التواصل لتؤكّد مرّة جديدة أنهن طرف أساسي في معركة التغيير على كافة المستويات، إضافة إلى معركتهن المستمرة نحو التحرر.

التعبير عن التوق للتفلت من سطوة الإملاءات التي تفرض على المرأة بالنسبة للباسها وأسلوب حياتها، أتى من خلال نساء في الشارع ظهَرن في مقاطع فيديو وسط الجموع الهاتفة ضدّ النظام، وهنّ يخلعن حجابهن، ما ينبىء بما يعتمل في صدور الكثير من النساء من إحساس بالتهميش الذي رددن عليه بالخروج عن طاعة وإملاءات نظام الملالي. في حين أفادت تقارير عديدة أنّ المكان الذي تم فيه اعتقال فيه إحدى المتظاهرات التي خلعت حجابها، تم تحويله إلى بقعة جغرافية رمزية بالنسبة للمتظاهرين الذين نثروا الورود فيها، بعدما تحوّلت تلك المتظاهرة إلى "أيقونة الانتفاضة الجديدة" ووصفها كثيرون بـ"البطلة". كما انتشرت فيديوهات أخرى ظهر من خلالها مدى إصرار المرأة الإيرانية واستعدادها للتعرّض للاعتقال، وربما الموت، في سبيل نيل حريتها والدفاع عن حقها باختيار أسلوب الحياة الذي تريده، ما أضاف بعداً آخراً للتظاهرات والاحتجاجات والمطالبات الحالية، حيث رفدها بزخمٍ حضر في كل المحطات المفصلية التي شهدتها الاحتجاجات في شوارع إيران، والتي كانت المرأة الإيرانية فيها تحضر في الخطوط الأمامية في مواجهة النظام والسلطات السياسية الدينية. وهذه الأفكار زخرت بها مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بالنسبة إلى المعلّقين الإيرانيين فحسب، بل على صعيد عالمي، وخصوصاً تعاطف كبير من متابعين وناشطين في الغرب.


رفض الحجاب ورمزية خلعه بالطريقة التي حصلت في شوارع إيران، تحمل معاني لها أبعاد تتخطى الحجاب في مفهومه الذي ينحصر بكونه غطاء للرأس فقط. إذ يتعدّاه باعتباره يشكّل رفضاً لأسلوب حياة متكامل فرضه النظام الذكوري لرجال الملالي على المرأة الإيرانية، ما يجعل هذا الرفض يندرج ضمن أشكال الاحتجاج التي لم تقتصر فقط على التظاهر والهتاف في الشوارع، الأمر الذي تطرقت إليه الكاتبة والصحافية برديس مهدفي، في كتابها: "انتفاضة عاطفية: الثورة الجنسية في إيران"، والذي جاء فيه أنه في غياب خيارات التغيير على الصعيد السياسي لجأ الشباب الإيراني لثورة ذاتية من خلال استخدام أجسادهم لإطلاق مواقف اجتماعية وسياسية. بالتالي كان الجنس مصدراً للحرية وحركة من التمرّد السياسي، ما يعني زعزعة النظام وتغيير النهج السياسي من خلال أساليب الاحتجاج هذه.


ضمن هذه المعادلة كانت للنساء تحركات عديدة في ما يخصّ المطالبة بنزع الحجاب، الذي اتخذته المرأة رمزاً في معاركها ضدّ النظام، ما جعل المعركة رمزية لا تخصّ النساء حصراً، إذ تم دعمها من خلال فئات متعددة من الايرانيين الذين اعتبروا هذا المطلب موضوع نضال لاكتساب الحريات العامة، وهو حق يجب انتزاعه من قبضة النظام، الذي سنّ قوانين عديدة بحجته، وأضحى الشغل الشاغل الأكبر منذ التسعينات لرجال الدين الذين أطبقوا على أنفاس المرأة ومساحة حركتها، من خلال ترويج الحجاب على أنه أحد ركائز الثقافة الإسلامية الإيرانية، وإنّ أي محاولة للمطالبة بخلعه تمّ التعامل معها على أنه تمرّد ناتج عن محاولات الغزو الثقافي الغربي، الذي يسعى لتدمير أخلاقيات المجتمع الإيراني. عدا عن أن شرطة الأخلاق، التي تخضع لسيطرة رجال الدين تحوّلت لكابوس يقضّ مضاجع النساء اللواتي يرتدين الزيّ المخالف، وشبح يطاردهن في المدن والشوارع والأزقة. هذا الجهاز الذي تعاظمت قوته واشتدّ تعنيفه وممارسته ضدّ النساء بقمع منظّم مدعوم من النظام الإيراني بأكمله، ما جعل النزول إلى الشارع للاحتجاج على الحجاب كقضية مستقلة أمراً مستحيلاً، وجعل الإيرانيات يلجأن لمواقع التواصل كسبيل للتعبير والمطالبة بالتغيير مقابل قبضة النظام الحديدية.

كما أن المشهد والمطالبات الحالية عادت بالذاكرة إلى التظاهرات النسائية التي شهدتها إيران عقب عودة الخميني وفرضه الحجاب الإلزامي على النساء، ما يدّل على تاريخية هذا المطلب الذي حملته المرأة لأكثر من جيل. لكن التمرّد الأكبر كان العام 2014 ضمن ما أطلق عليه الايرانيون "الثورة الصامتة" ضد الحجاب الالزامي، عقب إنشاء الصحافية الإيرانية المقيمة في لندن، ماسية ألينجاد، صفحة في "فايسبوك" تحت اسم "حريتي المسروقة"، دعت فيها النساء الإيرانيات إلى نشر صورهن بلا حجاب، وهي الدعوة التي لاقت تفاعلاً وتجاوباً ملحوظاً، حيث ضجّت الصفحة بالتعليقات حول الرغبة والحلم بنيل الحرية وكسر القيود عليها.



ورغم التهديدات التي تعرضت لها النساء المشاركات في الحملة وقتها، إلا أنهن قررن التصعيد والذهاب إلى الأمام من خلال إطلاق حملة باسم "الأربعاء الأبيض"، حيث تلبس النساء ملابس بيضاء تعكس رفضها للون الأسود للشادور، وتخلع حجابها وتسير في الشارع أو أي مكان عام لبرهة قصيرة، وتقوم كل واحدة بتصوير فيديو و"سيلفي" لنفسها، وتنشرهم من بعدها في صفحة "حريتي المسروقة".

هذه الحملة التي يرجع إليها كثيرون الفضل بتكوين كتلة نسائية صلبة تدعم التحركات اليوم في الشارع، فاجأت النظام الذي لا يسمح له تحجّره بالتنازل خوفاً على تفكك قبضته في حال قام بإرخائها في مواطن محددة، من خلال تجاوبه مع مطالب الشعب في الشوارع، ما يجعل الرهان على التغيير الايجابي صعباً، حيث يُنتظر أن يكون ردّ النظام بمزيد من إجراءت القمع والعنف والسجن وحتى القتل. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024