لماذا يتعاطف صحافيون مع شيرين..بلا إدانة اسرائيل؟

نور صفي الدين

السبت 2022/05/14
أثارت مواقف الصحافيين من مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة معضلة رئيسيّة حول الخط الفاصل بين حرية التعبير لدى العاملين في الشأن الإعلاميّK والتزام الحياد حيال قضية لم تخرج نتائج التحقيق فيها بشكل رسمي. 
قد يتبادر الى ذهن القارئ في هذه اللحظة أنّ التضامن أمرٌ بديهي، وأنّ أي شيء آخر سيكون بمثابة تواطؤ ضمني، لكن السياسات الإعلامية المستحدثة التي ضيّقت هامش التعبير عن الرأي اليوم، تنعكس في الكثير من الأحيان في مواقف الصحافيين لاعتبارات عديدة.

فقد نشر العديد من الصحافيين في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تنديدات بمقتل مراسلة قناة "الجزيرة"، فيما لم يكتف البعض منهم بالتنديد بفعل "القتل" فنندوا "بالفاعل" أيضاً، وهنا المتهم بارتكاب الفعل هو جيش الاحتلال الإسرائيلي. عموماً، قد يكون من الأجدر أن يلتزم الصحافي الحياد في قضايا عديدة، لكن باعتبار أن هذه القضية تمس الصحافيين، والعرب منهم بشكل خاص، فإن الشجب الأوضح يمكن قراءته كحق في التعبير عن ولائهم لمهنتهم والدفاع عنها والعاملين فيها. 

ولا يمكن التوغل في قراءة هذه المواقف من دون التطرق الى السياق الإعلامي، حيث كادت الرواية الإسرائيليّة تطغى على الوكالات والوسائل الإعلامية الغربيّة، خصوصاً خلال الساعات الـ24 الأولى بعد الاغتيال، فيما ندر حضور رواية شهود العيان على المنابر ذاتها. هذه الرواية التي صوّرت موت شيرين أبو عاقلة كنتيجة "لاشتباك" بين الفلسطينيين و"الجيش الاسرائيليّ" تحث على تجهيل الفاعل. ومع تباطؤ وتردد وأخطاء الإعلام الغربي في نقل الصورة، لا سيما خلال اليومين قبل التشييع والاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت المشيّعين بصفاقة موصوفة، تحوّلت صفحات الصحافيين الى منابر للتأكيد على الرواية الأصليّة التي كانت ربما فقدت أصداءها لولا اضطلاعهم بتداولها بشكل واسع.
من هنا، لا يمكن تصنيف مواقف الصحافيين على أنّها مجرد آراء، لكنها قد تغدو في هذه الحالة قصة إخباريّة تثبت الوجه المقابل للرواية المتداولة، وتمنع تشويه الدليل الذي أثبت هوية القاتل بدرجة كبيرة. وفي حالة الصحافين العاملين في المؤسسات الإعلامية التي دأبت على عدم زج "إسرائيل" في قفص الاتهام، يتحول هذا الموقف الى مخاطرة بالوظيفة، وفضيحة أخلاقية للوسيلة الإعلامية، وبحث عن مساحة لقول ما لم يُسمح بقوله داخل جدران مؤسسته وعلى منابرها. 

في المقابل، قد يصاحب هذا الاندفاع العالمي تردُّد المؤسسة الإعلامية ذاتها قبل ارتكاب أي فعل تعسفي بحق الصحافي لتجنب حملة إعلامية ضدها.

وبصرف النظر عما اذا نشرت هذه الرواية الأوليّة في منصات إعلامية أو وسائل التواصل الاجتماعي، فإنّ مدى تناول الخبر وانتشاره يعني أن مهمة الصحافي لا تقتصر على نشر الخبر، وانّما تبيان الحقيقة وخلق موقف داعم لها. ليس بالضرورة أن يكون الصحافي ناشطاً حقوقياً، فالتعبير عن موقفه وعن تفاصيل يعرفها ووثّقها، من أجل كشف ملابسات حدث جلل، ما زال ضمن واجبه المهني. لكن في ظل القضايا المعقدة، وجد صحافيون أنفسهم يتحولون من ناقلين للحدث إلى ناشطين حقوقيين مدافعين عن قضية، سواء اختاروا ذلك أم لا. وتبيان الفارق بين الاثنين أمر في غاية التعقيد بحيث أنّ الصحافي الذي لا يملك هدفًا يعمل لأجله هو أشبه بناسخ على آلة كاتبة.

قد لا يوافق البعض على هذا التحليل، ولكن لنتخيل لو أنّ الصحافيين، والعرب خصوصاً، اختاروا الصمت حيال هذا اغتيال شيرين أبو عاقلة، ماذا كان سيحصل؟ هل سيبقى حينها حدث مهم، حتى في ظل الضخ الإخباري الذي تتولاه قناة "الجزيرة"؟ 

المرجح أنه في حال الصمت، كان الحدث ليبقى مرهوناً بفترة زمنيّة، وفاقداً للضغط الشعبي. قد يبقى خبراً مهماً، لكنه لن يكون مفصلياً ما لم يمتزج بروح جماعية تخطت الجمهور المُشاهد للقناة. بل عندها، قد يصعب علينا أن نرى بأمّ العين أنّ التضامن العالمي اخترق الصمت الإعلامي... قد يصعب علينا أن نفهم معنى أن يكون الصحافي مؤمناً بالحقيقة.

فشل الاعلام الإسرائيلي في إدارة الإعلام العالمي في قضية قتل الزميلة شيرين أبو عاقلة... عشية التشييع، وخلاله وبعده، صوّب الكثير من الإعلام الغربي أخطاءه وحيرته. وذلك، كما فشل الإسرائيليون سابقًا في شحذ التعاطف لاقتحام حي الشيخ جراح. والمؤكد اليوم أنّ موقف الصحافيين بغالبيتهم، في العالم العربي خصوصاً، ليس مرهوناً بسياسات إعلاميّة إنتقائيّة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024