#الجنوب_يحترق: جشع وإهمال.. وشماتة مؤلمة

المدن - ميديا

الأحد 2021/11/14

جبال البطم، طيرفلسيه، برج الشمالي، الخرايب، أرزون، زبقين، ياطر، ديرقانون النهر، العزبة، سلعا، شحور، باريش، القصيبة، الزرارية، صير الغربية وغيرها... قرى جنوبية تحولت مشاعاتها إلى كرات ملتهبة في مشهد يدمي القلب. هو ليس أول طقس جاف يمر على الجنوبي، وليس أول هواء عاصف، فلا شك أن وراء هذه الحرائق، أو جزء منها، أيدٍ أرادت الاستفادة، إما من أجل الفحم والحطب أو من أجل استثمار الأراضي لاحقاً.

بكى الجنوبيون جنوبهم، شعروا أنهم متروكون لمصيرهم بمواجهة الموت وأحسوا بمدى غياب الدولة وضعفها، استجدوا التعاطف من إخوة لهم في الوطن. عبثاً بحثوا عن دولة تغيثهم، فلا سيارات إطفاء كافية ولا طائرات مخصصة لإطفاء الحرائق ولا طواقم بشرية مدربة كما يجب، في الوقت الذي نشر فيه موقع "بنت جبيل"، أحد أكثر المواقع الألكترونية متابعة بين الجنوبيين، خبراً عن إرسال العدو الإسرائيلي خمسة فرقة إطفاء وطائرات مروحية لإخماد حريق اندلع شمال فلسطين المحتلة.

اندلاع حريق كبير عند مدخل معالوت ترشيحا في شمال فلسطين المحتلة، ويعمل 15 فريق إطفاء مدعومين بـ 6 طائرات على محاولة...

Posted by bintjbeil.org on Saturday, November 13, 2021

وليس صحيحاً أن الدولة أهملت أهل الجنوب، الذين نالوا حصة منها أكثر بكثير من بعض المناطق، كالبقاع والشمال، طالما كان هناك مجلس الجنوب والمشاريع التنموية، المستشفيات، المدارس، الكهرباء التي وصلت إمداداتها إلى كل القرى ومثلها المياه. المشكلة أن أياً من تلك المشاريع لم يصب في صالح البيئة أو الحفاظ على الطبيعة، مشاريع اهتمت بالبشر متناسية أهمية المحيط الذي يعيشون فيه.
 

افتقد الجنوبيون الوعي البيئي، مثلهم مثل معظم اللبنانيين، وسبق أن كتبنا مراراً عن ذلك. لم يأخذوا البيئة يوماً في الحسبان، حين شيدوا الأبنية بطريقة عشوائية في جميع القرى. وحملات التشجير خجولة هنا وهناك، لتبقى معظم أراضي الجنوب عبارة عن جرود. وكان الفرق واضحاً جداً بين أحراش عكار والكورة والشوف، والغابات في شمال فلسطين المحتلة، وبين الأراضي الجرداء في الجنوب اللبناني.


لا شك أن التعميم هنا جائر، لكن اندلاع الحريق لا يحتاج سوى شخص واحد ذي وعي بيئي متخلف، يرمي زجاجة في الغابة بعد انتهاء نزهته في الطبيعة، أو شخص جشع واحد يفضل الكسب المادي على الحفاظ على الغابة. مع الأسف، في الجنوب، هناك الآلاف من هؤلاء، تستطيع رؤية آثارهم بسهولة عند أي نزهة تقوم بها، سواء على شاطئ مدينة صور صيفاً، أو في أي من الأحراش والغابات والبراري التي اعتاد المتنزهون ارتيادها، كذلك على ضفاف الأنهار، تدلك عليهم النفايات المتروكة على الأرض، قناني البلاستيك والزجاج، الأكياس، حفاضات الأطفال وبقايا الطعام.

بين الشماتة الخسيسة لبعض الأشقياء، وبين فائض القوة الذي يحاول البعض الآخر إظهاره، وبين مؤامراتية آخرين، هناك رجل يضحك مستمتعاً بما جنته يداه على عالم بأكمله من نباتات وأشجار وحيوانات يحق لها العيش بأمان بيننا، ومن دونها لن يكون العالم مكاناً جديراً بالعيش فيه، بل إن الإنسان نفسه سيكون في خطر، خطر الحريق، وأخطار ما بعده.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024