كارلوس غصن ليس استثناء: مغتربون لبنانيون بدمغة فضائحية فرنسية

حسن مراد

الجمعة 2018/11/23
مطلع الأسبوع الحالي، أُوقف كارلوس غصن في اليابان بتهمة التهرب الضريبي إلى جانب فضائح مالية أخرى. خبر تردد صداه في فرنسا. وفي معرض سردها لمسيرة كارلوس غصن على هامش تناولها للقضية، اهتمت الصحافة بالتذكير بجذوره اللبنانية وهجرة عائلته إلى البرازيل. 
هذا الغمز حمل في طياته أبعاداً متعددة: فهويات غصن المتعددة تتلاءم مع "كوسموبوليتية" الشركات التي يتربع على عرشها، إضافة إلى ارتباط الهوية اللبنانية بعالم التجارة والأعمال. لذا، شكل كارلوس غصن، في عين الصحافة الفرنسية، صورة نمطية للبناني المحنك تجارياً، خاصة أنه انتشل شركة "رينو" من أزماتها الاقتصادية في التسعينات وأنقذ "نيسان" من الإفلاس في العام 2000. 

فغصن، الذي يحمل أيضاً الجنسية الفرنسية، هو الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "رينو" إلى جانب رئاسته لتحالف "رينو-نيسان"، بالتالي كان طبيعياً أن تطرح الصحافة الفرنسية تساؤلات عن انعكاسات خبر توقيف غصن على موقع ومكانة الشركة الفرنسية في الأسواق من جهة، وديمومة التحالف من جهة أخرى، لا سيما أن راتب ومستحقات غصن المالية كانت محط جدل إعلامي طوال السنوات الماضية. 
وإذ انشغلت فرنسا بهذه القضية من زاوية اقتصادية، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتهكمات اللبنانيين التي اعتبرت أن كارلوس غصن أطاح أسطورة المغترب اللبناني. لكن ما قد يجهله البعض أن غصن ليس استثناء في فرنسا، إذ ارتبطت أسماء لبنانية بعدد من الفضائح المالية والسياسية كان لها أن غيرت، في بعض الأحيان، مسار الحياة السياسية الفرنسية. ولعل أكثر إسمين تداولهما الإعلام الفرنسي في السنوات الماضية هما زياد تقي الدين وروبير برجي.
زياد تقي الدين
زياد تقي الدين، رجل أعمال من مواليد بعقلين، عمل كوسيط في صفقات أسلحة تحول بعض منها إلى فضائح كقضية "كراتشي".
إلا أن ما دفع باسمه إلى الواجهة الإعلامية هي قضية تمويل معمر القذافي لحملة ساركوزي الرئاسية العام 2007. وكان سيف الإسلام القذافي، أول من كشف النقاب عنها في مقابلة تلفزيونية أجراها مع محطة Euronews عام 2011

أخذت الفضيحة بُعداً قضائياً في العام 2012، بعدما نشر موقع Mediapart الاخباري وثائق تفيد بتلقي ساركوزي مبلغ 50 مليون يورو لصالح حملته الرئاسية، ليتبين أن الوسيط بين النظام الليبي السابق، وفريق عمل ساركوزي، لم يكن إلا زياد تقي الدين، حتى أنه نقل بنفسه جزءاً من هذه المبالغ

هذه قضية تشغل الرأي العام الفرنسي حتى اليوم، وتلاحق الرئيس السابق في أروقة القضاء والمنابر الإعلامية، وما زال الفرنسيون يتذكرون رد ساركوزي العنيف على هذا السؤال خلال المناظرة التلفزيونية التي جمعت مرشحي اليمين للانتخابات التمهيدية العام 2016. 
روبير برجي
وإذا كان زياد تقي الدين قد بات على عداء مع نيكولا ساركوزي، بفعل ما كشفه من معلومات للقضاء وللصحافة، فإن لبنانياً آخر يدعى روبير برجي ما زال وفياً لساركوزي، وتطوع، من تلقاء نفسه، للانتقام له. انتقام غيّر مسار السياسة الفرنسية حتى لُقّب برجي بـ"قاتل فرنسوا فيون".
ولد روبير برجي (اسمه الأصلي جعفر محمود برجي) في العاصمة السنغالية لعائلة لبنانية. مارس المحاماة وصار إحدى الشخصيات النافذة في شبكة "فرنسا - أفريقيا" التي هدفت إلى ضمان مصالح فرنسا في مستعمراتها الإفريقية السابقة. 

بين العام 2012 و2016، تقرب فرنسوا فيون من روبير برجي. لكن، على أبواب الاستحقاق الرئاسي الأخير، قرر إبعاده عن دائرته الضيقة لما قد يسببه له من احراج نظراً لمهمات "غير نظيفة" اضطلع بها برجي في الماضي. 

وخلال انتخابات اليمين التمهيدية، اعتبر فيون في خطاب أن من يطمح لرئاسة البلاد عليه يكون نظيف الكف، في إشارة واضحة إلى التحقيقات القضائية التي كان يخضع لها نيكولا ساركوزي في ما يتعلق بتمويل حملاته الانتخابية في 2007 و2012. 

يقول برجي أنه لم يستسغ تصرفات فيون هذه، فمن ناحية شعر بإهانة شخصية من طريقة إبعاده، ومن ناحية ثانية لم يتقبل أن يبقى مكتوف اليدين إزاء ما يتعرض له صديقه ساركوزي. عزم برجي على الانتقام، ولأنه يعلم حب فيون للبذخ قرر إهداءه بذلتين فاخرتين بقيمة 13 ألف يورو.  

خطة برجي قضت بتسريب التفاصيل إلى الصحافة، في حين كان فيون يطرح مشروعاً تقشفياً حاداً، ليظهر بذلك نفاق الأخير، على حد وصف المحامي اللبناني. 

إلا أن نجاح برجي في مخططه مرده الأساسي التوقيت الذي اختاره لرمي قنبلته. فبداية آذار/مارس 2017، كان فيون قد بدأ تخطي فضيحة الوظائف الوهمية التي تناولته وزوجته، وعرفت حملته الانتخابية زخماً جديداً انتعشت معها آماله الرئاسية، حتى أن قادة حزب الجمهوريين عادوا واصطفوا خلفه بعدما عجزوا عن استبداله بمرشح آخر. 

لم يكد مرشح اليمين يهنأ بهذا الواقع الجديد، حتى نشرت صحيفة Le Journal De Dimanche الخبر، لتطرح معه علامات استفهام حول طبيعة العلاقة والمصالح التي تربط فيون بشبكة معارفه، لا سيما أنه لم يصرح عن هذه الهدية كما تقتضي القوانين، فكانت "القشة التي قسمت ظهر البعير". نجحت خطة روبير برجي بالقضاء على فيون، وهو ما ساهم في تمهيد طريق الرئاسة أمام إيمانويل ماكرون. 

وسيمثل برجي في الـ27 من الشهر الجاري، أمام المجلس التأديبي لنقابة المحامين، بعد تصريحات إعلامية أدلى بها حول هذه القضية، واعتُبرت مخلّة بالأخلاق المهنية. 

منذ نعومة أظافرنا تآلفنا مع فكرة الاغتراب والانتشار اللبناني. في مرحلة الطفولة كان قدوم أفراد العائلة من المهجر، حدثاً منتظراً، لا سيما قبل ازدهار وسائل الاتصال. كما تفتحت عيوننا على هذه الظاهرة عبر المنهج المدرسي، من الأدب المهجري إلى كتب التاريخ والتربية المدنية وتناولها لموجات الهجرة مرفقة بالسير الذاتية لأشهر المغتربين. باختصار، تشكل وعينا على أن الانتشار اللبناني مصدر فخر واعتزاز وقيمة مضافة لبلد الأرز. بيد أن أسماء مثل كارلوس غصن وزياد تقي الدين وروبير برجي (وغيرهم بالتأكيد) تشكل فصولاً غير مروية عن حكاية وأسطورة الانتشار اللبناني.  
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024