إسرائيل تستعين بإليسا.. لنشر "الوعي" حول كورونا

أدهم مناصرة

الثلاثاء 2020/03/31
"ما بدي تقرّب ليّ.. وتسلّم عادي عليّ".. وجدت الضابطة الإسرائيلية العاملة في قسم الإعلام بالجيش الإسرائيلي، وتُدعى "كابتن ايلا"، ضالّتها في كلمات هذه الأغنية للفنانة اللبنانية إليسا، كي تؤدي دور الواعظة والداعية إلى التباعد الاجتماعي لمواجهة كورونا، وذلك خلال فيديو نُشر في صفحة "الناطق" افيخاي ادرعي في فايسبوك.

تستهلّ "ايلا" الفيديو، ومدته دقيقتان و24 ثانية، بترداد كلمات أغنية إليسا، ثم تقول بالعربية: "هيك غنت اليسا وهيك نحنا كلنا عرب ويهود واجانب بيد وحدة عم نتحدى الكورونا".



ويُرادُ بالاستعانة بكلمات أغاني فنانين لبنانيين وعرب، تحت غطاء توظيفها لـ"توعية" متابعي صفحة ادرعي الفايسبوكية وباقي الصفحات الرسمية الإسرائيلية في السوشال ميديا، أن تكون محاولة إسرائيلية جديدة لإنتهاز كورونا كفرصة للتطبيع مع الشعوب العربية، من خلال أسلوبين رئيسيين:

الأول، وكما هو معهود في هكذا حالة، ترويض جمهور إليسا وغيرها من المغنين العرب، لتفكيك وعيهم الجمعي تراكمياً، ولو بدأ الأمر بإعادة النظر، من قبل هذا الجمهور، في المفهوم الذي يصنف إسرائيل "عدواً أبدياً وحتمياً".. وقد استبعدت ايلا، إسرائيل عن هذا التصنيف عبر طرحها "فيروس كورونا" على أساس أنه العدو الحقيقي للجميع. 

أما الأسلوب الثاني، فيطرق باب التطبيع من بوابة أن "كورونا" قد وحّد إسرائيل والعرب والعالم في مواجهة التحديات نفسه، والقلق.. مروراً باللعب على وتر سؤال استنكاري: "لماذا لا نتعاون سويةً في مواجهة الوباء؟". ونستشف ذلك ضمناً من استخدام "ايلا" لتعبيرات ومصطلحات من قبيل "كلنا بيد وحدة نتحدى كورونا" وأيضاً "احنا بنواجه".

ولأنّ الرسالة "الدعائية" الإسرائيلية يجب أن تصل بشكل جيد للمستقبِل (المتلقي العربي) وتحقق الغاية المنشودة، فإن هذا يعتمد على طبيعة صياغة الرسالة أي المضمون وكذلك على طريقة بثها (أي القالب).. فتم اختيار هذه الفتاة العشرينية في الجيش الإسرائيلي على أمل أن تكون وسيلة أنجع وأكثر فاعلية لإقتحام "موانع الوعي العربي" واختراقه، من بوابة أنها تُعرّف المشاهِد العربي -بالصوت والصورة- على كيفية عمل ما تسمى قيادة الجبهة الداخلية الاسرائيلية، في مواجهة كورونا، وتلقي المعلومات وتقديم الخدمات لـ"الإسرائيليين" على مدار 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع وبلغات ثلاث هي العبرية والعربية والروسية. 
وتحاول من خلال هذا الشرح أن تزعم أن إسرائيل "دولة المساواة بين مواطنيها، عرباً كانوا أم يهوداً شرقيين وغربيين وحتى من اصول روسية".

فها هي "كابتن ايلا" تدخل أحد مراكز "قيادة الجبهة الداخلية" التابع للجيش الإسرائيلي في مدينة الرملة وسط الدولة العبرية باعتباره هو مَن يدير أزمة كورونا إلى جانب أجهزة الأمن الأخرى، وتلتقي بالمسؤولين عن تقديم "المعلومات والخدمات للاسرائيليين".

والحال، أن الغاية من إقحام المُشاهِد العربي وجلبه، ولو رقمياً وافتراضياً، إلى عمق مركز "الجبهة الداخلية" -وهي ترينا مجموعة من الجنود والضباط في هذا المركز وهم يتلقون الاتصالات ويوجهون التعليمات- تندرج في سياق "إبهار العربي" بإسرائيل، كما لو أنها "نموذج" في إدارة الأزمة لهذا الفيروس المقلق عالمياً.. وربما دفع المواطن العربي إلى القول ضمناً "لماذا لا نتعاون معهم ونستفيد من خبرتهم وحِرَفيتهم.. فقد يخلصوننا من أزمات كورونا وغيره!".

بيدَ أن "كابتن ايلا" تتناسى الإخفاقات وحالة الإرباك التي تعيشها إسرائيل، وبدرجة كبيرة "الأنانية" و"النرجسيّة" في التعامل مع الفلسطينيين في عمق أزمة كورونا.. وكيف ألقت سلطات الاحتلال بالعمال الفلسطينيين على قارعة الطريق لمجرّد الاشتباه في إصابتهم بـ"كورونا".. حتماً هذا لن نجده في "فيديو كابتن ايلا" الذي تتم صناعته بطريقة تسعى لإثارة الذهول إزاء "إسرائيل الخارقة والإنسانية"- كما تأمل- في ذهنية العربي المتلقي.

الجدير بالذكر أن الضابطة الإسرائيلية "ايلا" تُعرّف نفسها على صفحتها الفايسبوكية: "كابتن إيلا (آلاء) حاصلة على لقب أول بالإعلام ولقب ثاني بالسياسة".. إذاً، لم يكن من فراغ اختيارها وسيلة فعالة في ماكينة البروباغندا، فهي تمزج بين قدرة صناعة الرسالة الإعلامية المقصودة وبلهجة عربية ومن ثم توظيفها سياسياً وأمنياً.

والحال أن استخدام صفحة افيخاي أدرعي في "فايسبوك" لكلمات من اغاني مطربين وفنانين عرب، لم يقتصر على إليسا، بل نراه وقد استغل الذكرى الثالثة والأربعين لرحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والتي تصادف اليوم الاثنين.. كي يقدم نفسه كـ"ناشِر للوعي ضد كورونا"، فيكتب: "بهذه المناسبة أهديكم أغنية #بالأحضان التي يعبّر فيها عن حبّه للوطن. بالطبع عندما نحبّ شيئًا نودّ حضنه، لكن تذكروا في هذا الأيام عليكم الابتعاد عمّن تحبّون، خاصةً الكبار في السن، وقايةً من فيروس #كورونا"، كما كتب أدرعي حرفياً.

وقبل أيام، نشر أدرعي فيديو لمجندة إسرائيلية وتبدو فتاة في مقتبل العشرينيات، وهي تغني على الطريقة الإسرائيلية "العبرية" أغنية زينة الجزائرية المعروفة على نطاق واسع.. ثم اختتم أدرعي منشوره بشأن الفيديو المذكور، قائلاً: "معاً سننتصر على الكورونا"، ثم ذيّله بالهاشتاغ اللبناني #خليك_بالبيت.

وعلى سبيل التهكّم والسّخرية من الطريقة الدعائية المكشوفة، يبدو أن أدرعي لم يطرح نفسه من خلال نشر الفيديوهات سالفة الذكر في صفحته كـ"واعظ" ومُقدّم لـ"الوعي" في سبيل مواجهة كورونا فحسب، بل نراه وقد طرح هذه الفيديوهات كوسيلة ترفيهية ومُسلّية للعرب الخاضعين للحجر المنزلي بسبب الجائحة.. لكنّ السؤال اللافت هو: لماذا يستخدم أدرعي ومعه ماكينة الدعاية في إسرائيل، فتيات شابّات بشكل مُبالغ فيه، كي يقُمن بهذه المهمة الدعائية؟! لعلّه يحسب أنهن أقدر من الذكور، وحتى ممن يكبرهن سنّاً، على القيام بذلك.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024