.. واستَعَرت بين التيار العوني و"المستقبل"

المدن - ميديا

الإثنين 2019/12/02
كان يُمكن لردّ "اللجنة المركزية للإعلام في التيار الوطني الحر" على تصريحات أمين عام تيار "المستقبل"، أحمد الحريري، بالقول إنّ مقدمة نشرة أخبار "أو تي في" الأخيرة لا تعكس موقف التيار، أن تكون واقعية لو أنها أتت خارج السياقات المتصلّة لأداء القناة وأسلوبها وسياستها التحريضية منذ نشأتها إلى اليوم.


المقدّمة التي بثتّها "أو تي في"، مساء الأحد، أتت منسجمة تماماً مع خطاب القناة الذي يُعتبر امتداداً للخطابات التحريضية لقادة ورموز ونواب "التيار الوطني الحر"، بل إنها التعبير الأصدق عن التيار، الذي يستميت مؤخراً لإعادة شدّ العصب الطائفي، بعد الهزات التي أصابت علاقة الرئيس سعد الحريري بالوزير جبران باسيل، منذ استقالة الحريري، وبعدما استشعر التيار احتمال انهيار التسوية السياسية، ما دفعه إلى محاولة استعادة جمهوره من خلال الرجوع إلى مبدأ "الإبراء المستحيل".

بذلك، يمكن القول إنّ "أو تي في" ليست مجرّد الناطق باسم "التيار الوطني الحر"، بل إنّ أداءها وتغطياتها لكل المراحل المفصلية والأزمات، وصولاً إلى الانتفاضة الشعبية التي عمّت المناطق اللبنانية، اتسمّت بالتحريض وتعويم النَّفسَ الفتنوي والطائفي والاستعلائي. وما قاله أحمد الحريري في ردّه على القناة، لا يعبّر عنه فقط، بل يعكس كلام وموقف الشارع من مختلف المناطق والطوائف تجاه التيار وقناته البرتقالية، التي تجسّد حالة الانفصال التي يعيشها التيار العوني عن الواقع، مقابل النكسات المهولة والرفض العارم الذي عبّر عنه الشعب، للقناة والتيار ورئيسه وحركته السياسية.

وكانت "أو تي في" قد تناولت في مقدمتها "رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا من الخمسينات حتى اليوم، وشروط رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري التي صارت تقارع المستحيلات الثلاث وتضارع عجائب الدنيا السبع"، على حد قولها.

وأضافت: "ركبوا على ظهور الناس 30 عاماً، واليوم يركبون موجة الحراك، معتبرين البلد مضمار خيل وعلب ليل. اليوم يحاولون تعويض سقوط مشروعهم في الخارج والداخل، بوضع اليد على الحراك وتحويله قوة دافعة جديدة للتفجير بدلاً من التغيير". وإنه "بعد شهر ونصف على الحراك، أي شي لم يتحرك على المستوى الحكومي. الحريري يقول إنه غادر ولن يعود، وصارت شروطه تقارع المستحيلات الثلاث وتضارع عجائب الدنيا السبع: لا للحزب، لا للتيار، لا للسياسيين في أي حكومة تكنوقراط يترأسها هو. انتخابات نيابية مبكرة، صلاحيات استثنائية لم يحصل عليها والده في أول عهده برئاسة الحكومة منذ 27 عاماً، عدم المس بشخصيات مالية وأمنية وعسكرية وسياسية، عدم التطبيع مع سوريا، واغلاق الباب الذي يؤدي إلى اعادة النازحين أو عودة الحركة الاقتصادية بين البلدين. كل ذلك بانتظار ما ستؤول إليه المواجهة الكبرى في المنطقة، وقرار يقولون إنه قريب للمحكمة الدولية في لاهاي. باختصار: إما أنا رئيس حكومة وفق شروطي، أو اذهبوا إلى حكومة من دوني سموها ما شئتم...".


وفي ردّ له على القناة، تساءل أحمد الحريري في تصريحات صحافية: "من هو عبقري الفتنة الذي أفتى لمحطة OTV، التابعة للتيار الوطني الحر، بتلك المقدمة السياسية التي بثتها مساء الأحد، بكل ما تنضح به من كراهيات تصيب العيش المشترك والسلم الأهلي في الصميم". وأضاف: "محطة التيار الوطني الحر إنبرت أمس لكلام خطير يرد أزمات لبنان والحروب الاهلية والمشاكل الاقتصادية، من الخمسينات حتى اليوم، الى رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا".

واعتبر الحريري أنّ "المحطة لم تترك شائنة إلّا والصقتها برؤساء الحكومات، وما تعنيه رئاسة الحكومة في لبنان، لتنتهي الى تحريض المسلمين على بعضهم البعض، وتعبيد الطريق الى فتنة مذهبية"، مضيفاً: "كبيرة على رقاب كل من في التيار الوطني الحر، أن يتمكنوا من اعادة عقارب الساعة الى الوراء ونبش اوكار الفتن. واذا كان جبران باسيل يراهن على فتنة بين السنة والشيعة ويكلف محطته التلفزيونية التحريض عليها فإننا نقول له وبالفم الملآن ليلعب في غير هذا الملعب وليخيط بغير مسلة الفتنة".

وختم الحريري بالإشارة إلى "حالة الإنكار المؤسفة التي تعيشها قيادة التيار الوطني، والتي  لا تبرر الهروب من مواجهة التحديات بتزوير التاريخ ونبش الأحقاد التي كلفت اللبنانيين افدح الخسائر".

كلام الحريري دفع "التيار الوطني الحر" إلى الردّ عبر بيان قال فيه: "من المؤسف ان يصدر عن الأمين العام لتيار المستقبل احمد الحريري كلام طائفي بغيض يدلّ على التحريض الذي يقوم به للمكوّن الذي ينتمي اليه، ويعرف احمد الحريري أننا في التيّار الوطني الحرّ لا نمارس الإعلام الموجّه وبالتالي فإنّ مقدّمات نشرات أخبار الـOTV  لا يكتبها التيّار ولا رئيسه، ولم يتمّ حتى الاطلاع عليها وهذه المقدمّة بالذات لا تعكس موقف التيّار الوطني، ولو اردنا ان نردّ على مقدّمات تلفزيون المستقبل لكان البلد في مكان آخر".

وأضاف البيان: "الحقيقة هي ان سياسة التيّار الوطني الحر تقوم على التقريب بين اللبنانيين منعاً للفتنة وبالتحديد بين الطائفتين السنيّة والشيعية. وهذا ما دفع بنا الى اجراء تسوية سياسية وفّرت الاستقرار والأمن في البلاد، لكنها للأسف الحقت بنا أظلم النعوت بتهم جائرة عن الفساد والتغطية عليه. للأسف فالوقت الآن هو لتأليف حكومة منتجة تنقذ البلد من الإنهيار الإقتصادي، وليس الوقت للتحريض السياسي الطائفي أخذاً للبلد نحو الفتنة المحرّمة من قبلنا ولو مهما كلّفتنا من أثمان".

وتعقيباً على ذلك، اعتبرت هيئة شؤون الإعلام في "تيار المستقبل"، في بيان، أنه كان يجدر بـ"التيار الوطني الحر" أنّ "يعلن أسفه على نشر وتعميم مقدمة محطة OTV الناطقة بإسمه، وأن يتبرأ منها قبل انتشارها وتعميمها على وسائل الاعلام، لا أن يبدي الأسف على قيام الأمين العام أحمد الحريري بتعرية ما تضمنته من تحريض وفتنة، لأن ما ورد في المقدمة يمثل قمة التجني على التاريخ وقمة الاعتداء على الدور التاريخي لرؤساء الحكومات، وبينهم ثلاثة شهداء سقطوا في ميدان الدفاع عن لبنان وكرامته ووحدته الوطنية".

كما اعتبر البيان أنّ "تبرؤ التيار من المقدمة يؤكد صوابية تصريح أحمد الحريري، وهو أمر جيد يسجل لهم، ولكنه لا ينفي الحقيقة التي يعرفها كل اللبنانيين بأن محطة OTV هي الناطق الرسمي بإسم التيار ورئيسه".

واضاف:"أما اتهام تيار المستقبل بالتحريض الطائفي فمردود لأصحابه في التيار الوطني الحر الذي يتبارى نوابه والمسؤولون فيه على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي في شن حملات القدح والذم بحق الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري. فهل هؤلاء أيضًا لا يعبّرون عن رأي التيار الوطني الحر؟ وهل يريدون من اللبنانيين أن يصدقوا أن محطة OTV محطة مستقلة سياسيًا واعلاميًا، ولا تتبارى، منذ أسابيع، مع نواب التيار ومسؤوليه، في فتح الهواء لكم من الاسفاف الرخيص بحق الحريرية الوطنية؟".

كما أنّ "الذي كتب مقدمة النشرة ليس إبن الأمس، إنّه شخص يحمل ارثًا تاريخيًا من الكراهيات الوطنية التي تطفو على جسد أصحابها، كلما حاولوا الهروب إلى الأمام في إنكار الحقيقة والواقع".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024