"حماس" تفك الحصار الاعلامي عنها

أدهم مناصرة

الأحد 2018/11/25


ينظر مراقبون إلى حركة "حماس" أنها الفصيل الفلسطيني الأكثر إجادة لتوظيف الشبكة العنكبوتية في توجيه خطابها ونشره على نطاق واسع، لكنها كثفت هذا الجهد في السنوات الأخيرة، لدرجة استحواذ الإعلام البديل (منصات التواصل الإجتماعي) على عملية بث معظم رسائل الحركة الإعلامية.

وجاء قصف الاحتلال خلال جولة التصعيد الأخيرة لفضائية "الأقصى" التابعة لحماس، ليزيد التحدي عبر تكثيف استخدام الحركة لهذه المساحة. وبينما نجحت إسرائيل بفعل قوة سلاح الجو في اسكات صوت التلفزيون الخاص بالحركة، انضمت إدارتا "تويتر" و"فايسبوك" إلى الدولة العبرية في عملية التصعيد الهادفة إلى محاصرة الحركة.

هل حُذفت صور أفراد الإستخبارات الإسرائيلية؟


فقد ذكر نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، إن إدارة شركة "فايسبوك" حذفت صور أعضاء القوة الإسرائيلية الخاصة التي نشرتها كتائب "القسام"- الجناح العسكري لحركة حماس قبل أيام، ومنعت تداولها أيضاً عبر المراسلات الخاصة.

ويبدو أنه كان المقصود من ذلك هو حذف صفحات اعتادت على نشر محتوى يتعلق بالمقاومة أكثر من كون ذلك يتعلق بالصور بحد ذاتها، كما يُجمع عدد من خبراء التواصل الاجتماعي في حديثهم لـ"المدن".

وينضم إلى هذا القول القيادي في "حماس" حماد الرقب الذي يؤكد لـ"المدن"، أن هناك بلاغات لصفحات نشطاء وصفحات محسوبين على "حماس" يتم حذفها بين الفينة والأخرى، لكن سُرعان ما يتم الإلتفاف على ذلك، والعودة إلى هذه المنصات رغماً عن محاولة حجب رسالة الحركة.

ويتابع الرقب: "في مواقع التواصل الاجتماعي لا يستطيع أحد حتى القائمين عليها أن يمنع رسالة حماس، فهناك إمكانية للمراوغة وطرق كثيرة لعرض المحتوى".

غير أن هذا لا ينفي في الوقت ذاته، أن تقارير تحدثت عن أن إسرائيل عقدت اتفاقات مع إدارتي "فايسبوك" و"تويتر" في السنوات الأخيرة لملاحقة الحسابات الفلسطينية المناهضة للإحتلال، بل وطالبتها بالحصول على بيانات شخصية لأصحاب الحسابات، وهو الأمر الذي لا يزال غامضاً ولا يُجاب عليه من القائمين على هذه المواقع.

وفي المقابل، لم نلحظ نشراً لصور أفراد الإستخبارات الاسرائيلية على الصفحة الرسمية الخاصة بحركة "فتح" على فايسبوك. وربما تحاول ضمنياً أن تقول الحركة إن هذه دعاية تابعة لحماس وإن كان الأمر يتعلق بإنجاز للمقاومة.

غير أن الحركة تمكنت من أن تُسجل لها نقطة في خضم العدوان الأخيرة على غزة، وذلك عندما أعلن مذيع النشرة المسائية على تلفزيون فلسطين التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، تضامن التلفزيون مع فضائية "الأقصى" التي قصفها الإحتلال، مُعتبراً ان ما حدث هي محاولة إسرائيلية لإسكات الصوت الفلسطيني.

وطالب نشطاء في ذلك الوقت تلفزيون فلسطين ليعبر عن تضامنه مع "الأقصى" عبر إتاحة مجال بثه لها كوسيلة لترجمة هذا التضامن واقعياً لا نظرياً، وهو الأمر الذي لم يحدث، وفق قول هؤلاء النشطاء.

وبعد ذلك بأيام، كانت "فتح" في اجتماع لجنتها المركزية تؤكد "أننا لا نختلف على الشهداء"، ونددت الحركة بالعدوان الإسرائيلي.
البيان الاعلامي

واعتمدت كتائب "القسام" أخيراً أسلوب البيان الصحافي والصورة والتغريد بوفرة على منصة الكتائب على "تويتر" لإطلاع الجمهور على تفاصيل انكشاف وحدة الإستخبارات الإسرائيلية على يد المقاومة شرق خانيونس قبل نحو اسبوعين، وذلك في غمرة تعاظم حرب "العقول" بين المقاومة وإسرائيل.

فمنذ العملية الفاشلة لوحدة الإستخبارات الإسرائيلية، أصدرت "القسّام" ثلاثة بيانات حول الحادثة أسمتها "البيان ١، البيان٢، البيان٣"، حيث كشف البيان الأخير، الخميس، عن صور عناصر الوحدة بشكل واضح باعتبارهم مطلوبين للقسام، حملت نبرة ندية وتحدٍ للإحتلال .

اللافت، أن لجوء "القسام" إلى البيان أو الفيديو أو التغريدة كوسيلة لإصدار روايتها عن حدث مهم وخطير مثل عملية خانيونيس وما تلاها من مواجهة جعلت غزة على شفير حرب شاملة، قد جسّد طغيان هذه الأداة في الأشهر الأخيرة حيث تعلن الكتائب عن موقف أو توضيح أو كشف يتعلق بموقعة معينة، في مقابل ندرة "المؤتمرات الصحافية" للقسّام على الشاشة المستطيلة في الآونة الأخيرة.

ولعل هذا، يثير تساؤلات كبيرة حول سبب غياب شكل المؤتمر الصحافي للناطق العسكري باسم "القسام" ابو عبيدة الذي اعتاد عليه الجمهور الفلسطيني والعالم في كل حدث وحرب، لدرجة أنه كان "نجم" التلفزيون خلال حروب غزة السابقة، وكذلك في كل إطلالة للإعلان عن شيء ما.

فهل يعني هذا أن "حماس" تبتعد عن التلفزيون رويداً رويداً؟.. هل أقصت نفسها عن الشاشة الصغيرة؟.. ما المقصود بذلك؟ 

تنوع..لا تبدل!

يقول الكاتب الصحافي المقرب من حركة "حماس" مصطفى الصواف لـ"المدن" إنه لا يرى أن ذلك يندرج في سياق تغيّر أدوات الخطاب، بل أنها في سياق تنوّع الأدوات والأسلوب، وليس شكلاً آخر من التعامل مع وسائل الإعلام.

ويضيف الصواف: "لكل حدث أسلوب في التعامل، فعندما يكون هناك أمر يتطلب خروج أبو عبيدة فسيخرج وعادة ما يكون حدثاً كبيراً. أما في بعض الأحداث فتكتفي الكتائب بالبيانات والفيدوهات والتغريدات".

ولكن..ألم تكن حادثة خانيونس خطيرة وتستحق الظهور بمؤتمر صحافي؟. يجيب مصطفى الصواف "موضوع خانيونس حتى اللحظة لم تنكشف كل تفاصيله حتى يخرج ابو عبيدة. كل ما هو موجود أن هناك مجموعة من المعلومات التي تنشرها المقاومة شيئاً فشيئاً، وعلى جُرعات".

ويرى الصواف أنه عندما تكتمل الصورة بخصوص حدث خانيونس فإننا سنرى مؤتمراً صحافياً للناطق باسم الكتائب ابو عبيدة، لا محال، ليجمل كل المعلومات والحقائق التي جرت ويضع الجمهور بالصورة كاملة. وأما عندما تكون المعلومات متقطعة، فإن الفيديوهات والبيانات المقتضبة كافية على الأقل حتى يتم تجميع كل الخيوط ذات الصلة بالعملية.

ومع ذلك، قلّلت المقاومة على نحو واسع ظهور ناطقها ابو عبيدة- الشهير بالكوفية الحمراء التي كانت تخفي كامل تفاصيل وجهه- على التلفزيون قبل حادثة خانيونس، فمثلاً ما يخص ملف الجنود الأسرى، دأبت الكتائب على توظيف البيان والفيديو وتويتر كوسائل لإثارة الرأي العام الإسرائيلي؛ كي يضغط على حكومة تل ابيب لتحريك ملف تبادل الأسرى.

مصدر إعلامي من "حماس" أكد هو الآخر لـ"المدن" أن من حق المقاومة استخدام كل الوسائل في نشر خطابها، وليس فقط الإعتماد على المؤتمر الصحافي كوسيلة وحيدة عبر التلفزيون، ولعل المسألة تعود لتقديرات القسّام وفق منطق "هل من المناسب أن يخرج الناطق العسكري بمؤتمر صحافي أم يتم الإكتفاء بالبيان أو التغريدة على تويتر؟!".
ويعني هذا أنه ليس هناك أي قرار لدى "القسّام" بتقليل ظهور ناطقها العسكري على الشاشة المستطيلة، وإنما مرتبط بالحدث واكتمال المعلومة بالإضافة إلى الرغبة بإحداث التأثير المطلوب، فهذه مسألة تكتيكية لدى المقاومة التي تستخدم كل الأدوات، والمؤتمر جزء منها.

ولا ننسى سبباً آخر، ألا وهو إدراك "القسّام" أننا في عصر مواقع التواصل الإجتماعي، ولها أسلوبها في الخطاب، كما أنها تعتمد على السرعة في النشر والتداول على نطاق واسع.

وتطرق المصدر إلى عامل آخر يكمن في أنه ليس من المعقول أن تقوم "القسام" في كل لحظة أن تنشر معلومة جديدة عبر المؤتمر الصحافي، فيما سيؤدي الغرض بيان مقتضب أو تغريدة في "تويتر"، ستحظى بكل تأكيد بالتفاعل والإنتشار الكبيرين.

والحق، أنه من الناحية الأمنية، تجد "القسّام" أن المؤتمرات الصحافية تعتمد على التحرك وبذل جهد امني كبير لعدم حدوث أي ثغرة قد يكشفها المحتل بخصوص تحركات الناطق من حيث نقطة الإنطلاق ومكان العودة.

ويُضاف إلى ما سبق من عوامل ودوافع، ان الوسيلة وتنوعها قد تكون مرتبطة بتقاسم الأدوار بين المقاومة والاجهزة الامنية التابعة لحماس في غزة، فالمقاومة ستنشر بالقدر الذي تريده، ثم تقوم الأجهزة الأمنية بنشر اي تفاصيل عبر مؤتمر صحفي كما حصل في حادثة اغتيال القيادي القسّامي مازن فقهاء. لكن مصادر من حماس تعتقد في حديثها لـ"المدن" أنه لا بد أن يخرج أبو عبيدة بمؤتمر صحافي بالمحصّلة عندما تكتمل المعلومات حول عملية خانيونس.

يُشار إلى أن الفصائل الفلسطينية اعتمدت على الشاشة الصغيرة خلال فترات المواجهة والصراع مع الإحتلال الإسرائيلي وخاصة منذ انتفاضة "الأقصى" الثانية التي انطلقت عام 2000، لإعلان وصية شهيد أو معلومة عن عملية ما، مروراً بالبيان الصحافي. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024